168

وكان في قرارة نفسي إذ أنا ألقي حديثي وأزداد في إلقائه حرارة، فكرة استقرت لا تتزحزح، وهي: «لا بد لي من مساعدة كيريوشكين ...»

وختمنا اجتماع العمال، وكان ختامه تصفيقا من هنا وتصفيقا من هناك، وتفرق الناس، حتى إذا ما جاء اليوم التالي رأيت في صحف نيقوبول وصفا للاجتماع بلغة الرياء التي نعهدها في مبالغات الكتابة السياسية: «طالب أمس عمال الشعب في مجموعة الصناعة التعدينية في نيقوبول وسط حماسة عاصفة، بأن تراجع معايير الإنتاج القديمة التي لم تعد تلائم الزمن في تطوره، وأعلنوا بالإجماع أن ...» ولم تذكر الصحف سطرا واحدا عن كيريوشكين.

أرسلت إلى كيريوشكين أن يجيء إلى مكتبي في نهاية العمل ذلك اليوم، فلما انتهت نوبة العمل، سمعت حركة في غرفة استقبالي.

سمعت أمينة سري تقول: «أين أنت ذاهب؟ إن الرفيق كرافتشنكو مشغول بحيث لا يستطيع لقاءك.» - «صدقيني لست أريد لقاءه، لكنه هو الذي أرسل يطلب حضوري.» - «ماذا بينك وبينه؟» - «ماذا عسى أن يكون بيني وبين الرئيس؟ إنه يطلب مني الحضور فأحضر.»

فدققت جرسا لأمينة سري وأخبرتها بأن تسمح للزميل بالدخول، ودخل كيريوشكين ممسكا قبعته بيده.

قلت: «تفضل بالجلوس.» - «شكرا، أستطيع الوقوف.» - «ولكن فيم الوقوف؟ تفضل بالجلوس.»

وجلس إلى مكتبي من ناحيته المقابلة لي، فسألته كيف حال العمل معه؟

فأجاب: «حال العمل معي هو حاله مع كل عامل آخر، فأنا أعمل ما بقيت في جسدي قوة تعمل.»

عرفت منه أنه جاء إلى المصنع منذ عامين، جاء من الريف بعد أن ضمت مزرعته إلى المزارع الجماعية، وعرفت كذلك أنه كان يخدم قبل ذلك في الجيش الأحمر، وأنه أحضر معه بعض المتاع لكنه باعه لحاجته إلى المال. - «إن زوجتي تمسح أرض الغرف في منازل بعض الموظفين، فيأتينا ذلك بما يعين، وهي تغسل الثياب كذلك، لكن لي أطفالا ثلاثة وليس من السهل أن أدبر نفقات عيشهم ولكن فيم الشكاة وليس بين العمال من هم خير حالا مني؟»

كان يتكلم في أناة، يزن كلماته وزنا وينظر إلي وجها لوجه، ولم يكن في سلوكه غطرسة ولا خور، لم يبد إلا أسفا عميقا أسلم زمامه لتصريف القضاء. - «نعم يا فكتور أندريفتش، ماذا عسى أن أقول؟ إنك أنت، أنت واحد من الرؤساء، تستمتع بحياة طيبة، إنك تحيا في دنياك وأحيا أنا في دنياي، إنك لن تفهم حالة الناس الذين هم على شاكلتي.» - «لا تزعم ما لا تعرف أيها الرفيق كيريوشكين، فقد أكون على فهم بحالة هؤلاء أكثر مما تظن، لكن دع عنك هذا الآن وقل لي، هل تريد أن تعمل في الآلة القاطعة، إن أجرك هناك سيرتفع إلى مائتين وعشرين روبلا أو أكثر، وسيكون من حقك بعض الثياب: حلة وحذاء.» - «بكل سرور، لا بد للإنسان أن يعيش.»

نامعلوم صفحہ