مريت ومريت ومريت، دست عليها بكل قوتي ومريت، كنت لسه صغيرة، سبعتاشر سنة، وهربانة من كل الناس، هربانة من أبويا وأمي وجوزي وكل الناس، كانوا عاوزين يمسكوني ويحطوني في القفص، لكن أنا هربت. (يضاء المسرح في الركن وتظهر زكية وهي تحمل حقيبة صغيرة، وتسير وحدها في الشارع الطويل المظلم هاربة.)
زكية (تواصل كلامها) :
أخذت هدومي وهربت في نص الليل وهم نايمين، ومشيت لوحدي في الشارع الطويل الضالمة، كانت الدنيا مطر وبرد والدنيا ضالمة، وفي كل ركن شبح واقف يتربص، في لحظة وقفت وخفت وفكرت أرجع، قلت لنفسي لحظتها القفص أرحم، السجن برضه فيه أمان عن الدنيا الضالمة الواسعة، السجن له أربع حيطان تحميني وتخبيني، لكن مارجعتش، كنت عارفة إني رايحة للأودة البلاط والمرتبة القديمة والشباك المكسور بتبص منه عينين الناس، ولسنة الناس حتنهش فيه زي حتة لحمة، لكن دست على خوفي ولا رجعتش، كنت عاوزة أفك اللجام اللي حوالين رقبتي وأهرب من السجن، سجن المجتمع المزيف، والشرف المزيف، والجهاز المزيف، والكلام المزيف، والوجوه المزيفة، والذواق الكداب، كانت أصعب لحظة في حياتي، دست عليها برجلي ومشيت ومشيت، كان ممكن في كل خطوة أقف وأدور وأرجع، أرجع لبيتي المليان عفش، ولجوزي الغني تاجر الموبيليات اللي أبويه باعني له بميت جنيه مهر، وأجيب عيال، وأعيش زي الستات ما هم عايشين. لكن مارجعتش، دست على أصعب لحظة، عديت عليها ومشيت. (يطفأ النور في ركن المسرح، ويعود المشهد بين زكية وتوفيق.)
توفيق :
مش عارف يا زكية، عاوز أدوس عليها بس مش قادر، حاسس إن هي اللي دايسة علي، هي اللي مسكاني وأسراني وحبساني زي الفار في المصيدة، خايف أدوس عليها، متهيألي لو قدرت ودوست، حاجة في حتتغير، أو أنا كلي حاتغير وأبقى واحد تاني غير توفيق اللي عرفته وخت عليه، وكل ما أجي كده أخاف أكتر، زي ما يكون جوايا واحد تاني باخاف منه، أو يمكن هو اللي بيخاف مني، مش عارف!
زكية :
انت اللي بتخاف منه يا توفيق، انت بتخاف من نفسك الحقيقية اللي محبوسة جواك، انت اللي حابسها ومش راضي تحررها، مافيش حد بيحرر حد يا توفيق، احنا اللي بنحرر نفسنا، احنا اللي لازم نكسر القشرة، خبطة ورا خبطة، خطوة ورا خطوة، طريق طويل، وكل لحظة فيه صعبة وطويلة زي الدهر، تخلي جدور الشعر تقف، والشعر يشيب، والعمر يمتلي ويكبر، وإن مافاتش فيه كتير، لحظة ورا لحظة بالتدريج، زي الميه على النار تسخن شوية وبعدين تيجي لحظة تغلي وماتبقاش ميه، تبقى بخار، يفتح الواحد عينيه ويحس إنه بقى واحد تاني، بني آدم جديد غير الأولاني، يفتح دراعاته ويحس إنه مالك الدنيا، مالك نفسه ومالك جسمه، مالك عضلات وشه، يقدر يفتح بقه ويقول فيه زرقا، أيوة فيه زرقا!
توفيق :
أكسر القشرة إزاي يا زكية؟ دي قشرة تخينة وجامدة، وبقى لها سنين، سنين طويلة وهم بيلفوهم على راء، ورا راء، ورا راء، قشرة تخينة وجامدة زي القالب الحديد، وأنا من جوه زي ما كون مش في الدنيا ومش حاسس بحد، والناس بيني وبينها حاجز تخين، وكان العيان يبقى جنبي يتألم وأنا مش حاسس بيه، والأطفال الغلابة في الشارع ماكنتش أشوفهم، كنت باشوف ولادي بس. لكن مش ذنبي يا زكية، ماحدش بينفع حد، ماحدش بيوكل ولاد حد، واحد بيجري على ولاده، وولادي ملهمش حد غيري ولازم أضحي عشانهم، انتي أم يا زكية وتقدري تعرفي أد إيه قلب الأم أو الأب بيحب.
زكية :
نامعلوم صفحہ