مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) مَا هِيَ شُرُوْطُ التَّكْفِيْرِ؟ (١)
١) ثُبُوْتُ أَنَّ هَذَا القَوْلَ أَوِ الفِعْلَ أَوِ التَّرْكَ كُفْرٌ بِمُقْتَضَى دِلَالَةِ الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ.
٢) ثُبُوْتُ قِيَامِهِ بِالمُكَلَّفِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيْبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِيْنَ﴾ (الحُجُرَات:٦).
٣) بُلُوْغُ الحُجَّةِ. (٢)
٤) انْتِفَاءُ مَوَانِعِ التَّكْفِيْرِ فِي حَقِّهِ.
وَمِنْ مَوَانِعِ التَّكفِيْرِ: الإِكْرَاهُ (٣)، وَعَدَمُ القَصْدِ؛ فَلَا يَدْرِي مَا يَقُوْلُ لِشِدَّةِ فَرَحٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ خَوْفٍ. (٤) (٥)
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى - فِي مَعْرِضِ الكَلَامِ عَنِ الخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ -: (وَأَمَّا تَكْفِيْرُهُمْ وَتَخْلِيْدُهُمْ؛ فَفِيْهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُوْرَانِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالقَوْلَانِ فِي الخَوَارِجِ وَالمَارِقِيْنَ مِنَ الحَرُوْرِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ.
وَالصَّحِيْحُ أَنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ الَّتِيْ يَقُوْلُوْنَهَا - الَّتِيْ يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ - كُفْرٌ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمُ الَّتِيْ هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الكُفَّارِ بِالمُسْلِمِيْنَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا - وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ -؛ لَكِنَّ تَكْفِيْرَ الوَاحِدِ المُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالحُكْمَ بِتَخْلِيْدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوْفٌ عَلَى ثُبُوْتِ شُرُوْطِ التَّكْفِيْرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ.
فَإِنَّا نُطْلِقُ القَوْلَ بِنُصُوْصِ الوَعْدِ وَالوَعِيْدِ وَالتَّكْفِيْرِ وَالتَّفْسِيْقِ؛ وَلَا نَحْكُمُ لِلْمُعَيَّنِ بِدُخُوْلِهِ فِي ذَلِكَ العَامِّ حَتَّى يَقُوْمَ فِيْهِ المُقْتَضَى الَّذِيْ لَا مَعَارِضَ لَهُ، وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ القَاعِدَةَ فِي (قَاعِدَةُ التَّكْفِيْرِ)، وَلِهَذَا لَمْ يَحْكُمِ النَّبِيُّ ﷺ بِكُفْرِ الَّذِيْ قَالَ: إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُوْنِي ثُمَّ ذَرُّوْنِي فِي اليَمِّ؛ فَوَ اللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِيْنَ - مَعَ شَكِّهِ فِي قُدْرَةِ اللهِ وَإِعَادَتِهِ-؛ وَلِهَذَا لَا يُكَفِّرُ العُلَمَاءُ مِنِ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنَ المُحَرَّمَاتِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإِسْلَامِ أَوْ لِنَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيْدَةٍ، فَإِنَّ حُكْمَ الكُفْرِ لَا يَكُوْنُ إِلَّا بَعْدَ بُلُوْغِ الرِّسَالَةِ، وَكَثِيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَكُوْنُ قَدْ بَلَغَتْهُ النُّصُوْصُ المُخَالِفَةُ لِمَا يَرَاهُ؛ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُوْلَ بُعِثَ بِذَلِكَ؛ فَيُطْلَقُ أَنَّ هَذَا القَوْلَ كُفْرٌ؛ وَيُكَفَّرُ مَتَى قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ؛ دُوْنَ غَيْرِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). (٦)
(١) مَجْمُوْعُ فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن ﵀ (٥٢/ ٣).
(٢) قَالَ تَعَالَى: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِيْنَ وَمُنذِرِيْنَ لِئَلَّا يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيْزًا حَكِيْمًا﴾ (النِّسَاء:١٦٥).
(٣) قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيْمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ﴾ (النَّحْل:١٠٦).
(٤) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيْمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوْبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوْرًا رَحِيْمًا﴾ (الأَحْزَاب:٥).
(٥) وَفِي البُخَارِيِّ (٤٥/ ٧) (قَالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يَلُوْمُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ؛ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ؛ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيْدٌ لِأَبِي؟! فَعَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ). رَوَاهُ البُخَارِيِّ - وَهَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ مُعَلَّقٌ - وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بِـ: (بَابِ الطَّلَاقِ فِي الإِغْلَاقِ وَالكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالمَجْنُوْنِ وَأَمْرِهِمَا وَالغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ).
(٦) مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (٥٠٠/ ٢٨)
1 / 323