- وَجْهُ الدِّلَالَةِ مِنَ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ أَنَّ التَّطَيُّرَ هُوَ مِنْ صِفَاتِ المُشْرِكِيْنَ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ. (١)
- قَوْلُهُ (لَا عَدْوَى): أَيْ: لَا عَدْوَى مُؤَثِّرَةٌ بِطَبْعِهَا وَنَفْسِهَا، وَإنَّمَا تَنتَقِلُ العَدْوَى بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَأَهْلُ الجَاهِليَّةِ يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ العَدْوَى تَنْتَقِلُ بِنَفْسِهَا، فَأَبْطَلَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا ذَلِكَ الاعْتِقَادَ. (٢) (٣)
- قَوْلُهُ (وَلَا طِيَرَةَ): المَنْفِيُّ هُنَا لَيْسَ هُوَ وُجُوْدُ الطِّيَرَةِ؛ لِأَنَّ الطِّيَرَةَ مَوْجُوْدَةٌ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِ النَّاسِ (٤) وَمِنْ جِهَةِ اسْتِعْمَالِهَا، وَلَكِنَّهَا بَاطِلَةٌ، كَذَلِكَ العَدْوَى مَوْجُوْدَةٌ مِنْ جِهَةِ الوُقوعِ، فَالنَّفيُ إِذًا يَعُوْدُ عَلَى صِحَّةِ الاعْتِقَادِ بِهَا.
- الهَامَةُ: بِالفَتْحِ؛ فِيْهَا قَوْلَانِ:
١) هِيَ طَائِرُ اللَّيْلِ المَعْرُوْفُ (٥)، وَقِيْلَ: هِيَ البُوْمَةُ، قَالُوا: كَانَتْ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى دَارِ أَحَدِهِم رَآهَا نَاعِيَةً لَهُ نَفْسَهُ أَوْ بَعْضَ أَهْلِهِ.
٢) أَنَّ العَرَبَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ عِظَامَ المَيِّتِ - وَقِيْلَ رُوْحَهُ - تَنْقَلِبُ هَامَةً تَطِيْرُ. (٦)
وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ المُرَادُ النَّوْعِيْن؛ فَإِنَّهُمَا جَمِيْعًا بَاطِلَانِ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. (٧)
(١) كَمَا قَالَ قَوْمُ صَالِحٍ لَهُ ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ﴾ (النَّمْل:٤٧) فَيُسْتَفَادُ مِنَ الآيَتَيْنِ المَذْكُوْرَتَيْنِ فِي البَابِ: أَنَّ التَّطَيُّرَ كَانَ مَعْرُوْفًا مِنْ قِبَلِ العَرَبِ وَمِنْ غَيْرِ العَرَبَ، لِأَنَّ الأُوْلَى فِي فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَالثَّانِيَةَ فِي أَصْحَابِ القَرْيَةِ.
(٢) قَالَ البَيْهَقِيُّ ﵀ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى (٣٥١/ ٧): (بَابُ لَا عَدْوَى عَلَى الوَجْهِ الَّذِيْ كَانوا فِي الجَاهِلِيَّةِ؛ يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ إِضَافَةِ الفِعْلِ إِلَى غَيْرِ اللهِ).
(٣) وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ فَتْحِ المَجِيْدِ ﵀ (ص٣٠٧): (وَالمَنْفِيُّ: نَفْسُ سِرَايَةِ العِلَّةِ أَوْ إِضَافَتُهَا إِلَى العِلَّةِ. وَالأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ). قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي؛ مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيْدِ)، شَرِيْطُ رَقَم (٧٩)، شَرْحُ البَابِ. وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي المَسَائِلِ؛ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
(٤) وَفِي حَدِيْثِ مُعَاوَيِةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ؛ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﵊ عَنِ الطِّيَرَةِ، فَقَالَ لَهُ: (ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُم فِي صَدْرِهِ فَلَا يَصُدَّنَّكُم). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٥٣٧). فَأَخْبَرَ أَنَّ تَأثيرَهُ وَتَشَاؤمَهُ بِالطَّيْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِهِ وَعَقِيْدَتِهِ؛ لَا فِي المُتَطَيَّرِ بِهِ، فَوَهْمُهُ وَخَوْفُهُ وَإِشْرَاكُهُ هُوَ الَّذِيْ يُطَيِّرُهُ وَيَصُدُّهُ لِمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ.
(٥) يُدْعَى (الصَّدَى).
(٦) وَأَنَّهَا تَبْقَى تَصِيْحُ حَتَّى يُؤْخَذَ بِثَأْرِ المَقْتُوْلِ، وَفِيْهَا يَقُوْلُ قَائِلُهُم: (يَا عَمْرُو إِلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي ... أَضْرِبُكَ حَتَّى تَقُوْلَ الهَامَةُ اسْقُونِي).
(٧) شَرْحُ مُسْلِمٍ (٢١٥/ ١٤).
1 / 251