141

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

اصناف

- المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ) كَيْفَ يَسْتَقِيْمُ النَّهْيُّ عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلمُشْرِكِيْنَ مَعَ كَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِقَوْمِهِ المُشْرِكِيْنَ كَمَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ ﵁ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ - ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ - وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُوْنَ» (١)؟!
وَالجَوَابُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلمُشْرِكِيْنَ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِم لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، بَلْ هُوَ مَخْصُوْصٌ بِالمَوْتِ عَلَى ذَلِكَ.
وَالدَّلِيْلُ تَقْيِيْدُ النَّهْي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيْمِ﴾، وَهَذَا التَّبَيُّنُ يَكُوْنُ إِذَا مَاتَ عَلَى الكُفْرِ (٢)، قَالَهُ الطَّبريُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ. (٣) (٤)
وَأَجَابَ بِهِ الإِمْامُ الطَّحَاوِيُّ ﵀ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ (مُشْكِلُ الآثَارِ). (٥)
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (٦) بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ - كَمَا قَالَ السُّيُوْطِيُّ ﵀ فِي الفَتَاوَى (٧) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (مَا زَالَ إِبْرَاهِيْمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ؛ فَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ). (٨) (٩)

(١) البُخَارِيِّ (٣٤٧٧)، وَمُسْلِمٍ (١٧٩٢).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٢١١/ ٤) - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ﴾ -: (لَمَّا مَاتَ. هَذَا ثَابِتٌ عَنْ مُجَاهِدٍ).
(٣) (٥٠٩/ ١٤).
(٤) قُلْتُ: وَتَأَمَّلِ القَيْدَ فِي قَوْلِ اللهِ ﵎ ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُوْنَ﴾ (التَّوبَة:٨٤)، وَالشَّاهِدُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُوْنَ﴾.
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ الجَوَابَ عَنْ اسْتِغْفَارِ إِبْرَاهِيْمَ ﵊ لِأَبِيْهِ ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيْمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ يَوْمَ يَقُوْمُ الحِسَابُ﴾ (إِبْرَاهِيْم:٤١)، وَأَنَّهُ مَخْصُوْصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِيْنَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيْمِ، وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيْمَ لِأَبِيْهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيْمٌ﴾ (التَّوْبَة:١١٤). وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ.
(٥) مُشْكِلُ الآثَارِ (٢٨٠/ ٦).
(٦) تَفْسِيْرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (١٠٠٥٠).
(٧) الحَاوِي (٢٥٩/ ٢).
(٨) أَحْكَامُ الجَنَائِزِ (ص٩٦) لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ ﵀.
(٩) وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِجَوَابٍ آخَرَ؛ أَنَّهُ مَحْمُوْلٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ النَّهْي، وَلَكِنَّ الأَوَّلَ أَوْلَى. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

1 / 141