الشَّرْحُ
- مُنَاسَبَةُ البَابِ لِكِتَابِ التَّوْحِيْدِ تَظْهَرُ مِنْ وَجْهَيْن:
١) أَنَّ الهِدَايَةَ - وَهِيَ أشْرَفُ المَطَالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ - قَدْ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ أَشْرَفَ الرُّسُلِ لَا يَمْلِكُهَا، وَأَنَّهَا إِلَى اللهِ وَحْدَهُ (١)، فَبَطَلَ بِذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِالأَنْبِيَاءِ دُوْنَ اللهِ ﷿، كَمَا أنَّ مَسْأَلَةَ الشَّفَاعَةِ هِيَ سَبَبُ تَعَلُّقِ المُشْرِكِيْنَ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى لِتَحْصِيْلِ خَيْرَي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
٢) أَنَّ هَذَا البَابَ هُوَ كَالمِثَالِ لِلبَابِ المَاضِيْ فِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَنَالُ المُشْرِكَ.
- قَوْلُهُ (مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ): فِيْهِ تَلْمِيْحٌ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنَ القَلَقِ حِيَالَ الاسْتِغْفَارِ لِعَمِّهِ المُشْرِكِ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ﴾: مَا هُنَا نَافِيَةٌ، وَمَعْنَاهَا النَّهْيُ؛ وَالمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ غَايَةَ الامْتِنَاعِ.
- المُسَيِّبُ (٢) وَابْنُ أَبِي أُمَيَّة أَسْلَمَا، وَأَبُوْ جَهْلٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
- فِي الحَدِيْثِ دِلَالَةٌ عَلَى مَشْرُوْعِيَّةِ عِيَادَةِ المَرِيْضِ المُشْرِكِ مِنْ أَجْلِ دَعْوَتِهِ إِلَى الإِسْلَامِ.
- فِي لَفْظٍ لِلْحَدِيْثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بَيَانُ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا لِلنَّبِيِّ ﷺ (٣)، وَلَكِنْ مَنَعَهُ عَنِ الإِيْمَانِ تَعَصُّبُه لِمِلَّةِ الآبَاءِ، وَخْوفُهُ مِنْ مَسَبَّةِ النَّاسِ لَهُ وَتَعْيِيْرُهُ. وَاللَّفُظُ هُوَ «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ)، قَالَ (أَبُوْ طَالِبٍ): لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ؛ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الجَزَعُ! لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ﴾). (٤) (٥)
(١) وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الخَلِيْلِ ﵇ عَنْ رَبِّهِ ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُوْنَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُوْنَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِيْنَ، الَّذِيْ خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِيْنِ﴾ (الشُّعَرَاء:٧٨)، فَجَعَلَ الهِدَايَةَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الخَلْقِ الَّتِيْ يَتَفرَّدَ بِهَا الرَّبُّ الخَالِقُ.
وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهَ تَعَالَى ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِيْنَ﴾ (يُوْسُف:١٠٣).
وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهَ تَعَالَى ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ (الجِنّ:٢١).
وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهَ تَعَالَى ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِيْنَ لَا يَعْقِلُوْنَ﴾ (يُوْنُس:١٠٠).
(٢) (المُسَيَّب): بِالفَتْحِ وَالكَسْرِ.
وَسَعِيْدُ بْنُ المُسَيَّب بْنِ حَزْنٍ: تَابِعِيٌّ جَلِيْلٌ تُوُفِّيَ بَعْدَ التَّسْعِيْن، وَأَبُوْه وَجَدُّهُ صَحَابِيَّانِ.
(٣) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُوْنَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِيْنَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُوْنَ﴾ (الأَنْعَام:٣٣).
(٤) مُسْلِمٌ (٢٥).
(٥) وَاُنْظُرْ فِي سِيْرَةِ ابْنِ إِسْحَاق (ص١٥٥) أنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَقُوْلُ:
وَاَللهِ لَنْ يَصِلُوا إلَيْك بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِيْنًا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِك مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ... وَأَبْشِرْ وَقَرّ بِذَاكَ مِنْك عُيُوْنًا
وَدَعَوْتنِي؛ وَعَرَفْت أَنّك نَاصِحِي ... وَلَقَدْ صَدَقْتْ؛ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِيْنًا
وَعَرَضْت دِيْنًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِيْنًا
لَوْلَا المَلَامَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبَيِّنًا
1 / 133