والقسم الآخر :مثله كمثل رجل دخل دار الملك ، ورفع الستر بينه وبينه ، فقرت عينه بالنظر إلى الملك ، بقيامه في خدمته وطاعته ، وقد أتحفه الملك بأنواع التحف ، وأدناه وقربه ، فهو لا يحب الانصراف من بين يديه ، لما يجده من لذة القرب وقرة العين ، وإقبال الملك عليه ، ولذة مناجاة الملك ، وطيب كلامه ، وتذلله بين يديه ، فهو في مزيد مناجاة ، والتحف وافدة عليه من كل جهة ، ومكتن وقد اطمأنت نفسه ، وخشع قلبه لربه وجوارحه ، فهو في سرور وراحة يعبد الله ، كأنه يراه ، وتجلى له في كلامه ، فأشد شيء عليه انصرافه من بين يديه ، والله الموفق المرشد المعين ، فهذه إشارة ونبذة يسيرة في ذوق الصلاة ، وسر من أسرارها وتجل من تجلياتها.
فصل
الفرق بين أهل السماع وأهل الصلاة
فنحن نناشد أهل السماع بالله الذي لا إله إلا هو ، هل يجدون في سماعهم مثل هذا الذوق أو شيء منه؟ بل نناشدهم بالله ، هل يدعهم السماع يجدون بعض هذا الذوق في صلاتهم أو جزءا يسيرا منها؟
بل هل نشقوا من هذا الذوق رائحة ، أو شموا منه شمة قط ؟
ونحن نحلف ، عنهم أن ذوقهم في صلاتهم وسماعهم صد هذا الذوق ، ومشربهم ضد هذا المشرب.
ولولا خشية الإطالة لذكرنا نبذة من ذوقهم في سماعهم ، تدل على ما ورائها . ولا يخفى على من له أدنى عقل ، وحياة قلب ، الفرق بين ذوق الآيات ، وذوق الأبيات ، وبين ذوق القيام بين يدي رب العالمين ، والقيام بين يدي المغنين ، وبين ذوق اللذة والنعيم بمعاني ذكر الله تعالى والتلذذ بكلامه ، وذوق معاني الغناء ، والتطريب الذي هو رقية الزنا ، وقرآن الشيطان ، والتلذذ بمضمونها فما اجتمع والله الأمران في قلب إلا وطرد أحدهما الآخر ، ولا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عز وجل عند رجل أبدا ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
صفحہ 33