7

على ذكر الكتاب المفضلين، في فترة من الفترات كنت أهيم عشقا بزين جراي، لكنني أهملت قراءة الأعمال الروائية تدريجيا، وجنحت إلى مطالعة كتب التاريخ أو أدب الرحلات. أعلم أنني أحيانا أطالع كتبا تتجاوز قدرتي على الفهم، لكنني أنتهي منها بشكل أو بآخر. إتش جي ويلز الذي ذكرته أحد كتابي المفضلين، وكذا روبرت إنجرسول الذي يتناول قضايا دينية في مؤلفاته. لقد منحاني كثيرا من الأفكار التي تستحق التدبر والتفكر. إذا كنت شديدة التدين، فآمل أنني لم أسئ إليك.

ذهبت إلى المكتبة ذات يوم، كان ذلك في ظهيرة أحد أيام السبت، وكنت قد فتحت الباب لتوك، وكنت تضيئين الأنوار حيث كانت الظلمة تعم أرجاء المكان بالداخل والأمطار على أشدها بالخارج. كنت في موقف صعب بالخارج إذ لم تكن لديك قبعة أو مظلة تحتمين بها من المطر، فابتل شعرك. نزعت عنه الدبابيس وتركته ينسدل. هل أكون متطفلا لو سألتك أما زال شعرك طويلا أم أنك قصصته؟ اتجهت صوب المدفأة، ووقفت إلى جوارها، وهززت شعرك، فتناثرت منه قطرات الماء كالزيت في المقلاة. لم أكن قد برحت مكاني حيث كنت أطالع أخبار الحرب في مجلة «إلستراتيد لندن نيوز». تبادلنا ابتسامة عابرة. (لم أقصد أن أقول إن شعرك دهني عندما كتبت ذلك.)

لم أقصص شعري، وإن كانت الفكرة تجول بخاطري كثيرا. لا أعرف إن كان الكسل أم الخيلاء هو الذي يمنعني! إنني لست شديدة التدين.

لقد ذهبت إلى فينيجر هيل، وعثرت على بيتك. تبدو ثمار البطاطس طازجة وصحية. ثمة كلب بوليسي اعترض طريقي، أهو كلبك؟

الجو يميل إلى الدفء نوعا ما. شهدنا فيضان النهر، وظني أنه حدث ربيعي تمر به البلاد كل عام. تسرب الماء إلى الدور السفلي من الفندق، وأفسد على نحو أو آخر مخزوننا من الشراب؛ لذا حصلنا على جعة مجانية أو مشروب زنجبيل مجاني، لكن ذلك كان قاصرا على نزلاء الفندق والمقيمين فيه. يمكنك أن تتخيل كم النكات التي كانت تتداولها الألسن آنذاك.

هل تريد مني إرسال أي شيء إليك؟

لست بحاجة إلى شيء محدد، فأنا أحصل على التبغ وغيره من الأغراض التي تغلفها السيدات في كارستيرز تغليفا جميلا لأجلنا. أود أن أطالع بعض الكتب للمؤلفين اللذين أتيت على ذكرهما، لكنني أشك أن الفرصة ستسنح لي هنا.

منذ بضعة أيام، توفي رجل إثر سكتة قلبية، وصارت الواقعة حديث المدينة. هل سمعت عن الرجل الذي مات إثر سكتة قلبية؟ كانت هذه هي الأنباء المتداولة هنا ليل نهار، وبعدها أمسى الجميع يضحكون، على نحو ينم عن قسوة قلوبهم، لكن الأمر بدا غريبا جدا. لم تكن ثمة معركة حامية الوطيس حتى نفترض أنه أصيب بالذعر! (حقيقة الأمر أنه كان جالسا يكتب رسالة حين وافته المنية، فحري بي أن أتحرى الحيطة إذن!) كثيرون هم من لقوا حتفهم رميا بالرصاص أو قتلوا في تفجيرات، لكنه الوحيد الذي اكتسب شهرة واسعة لأنه مات إثر سكتة قلبية. الجميع يقولون: يا له من درب طويل قطعه ليموت هنا! ويا لها من تكلفة باهظة أنفقها الجيش عليه ليموت في النهاية هكذا!

كان الصيف جافا جدا حتى إن سيارات خزانات المياه كانت تجوب الشوارع يوميا في محاولة لتهدئة الغبار. وكان الأطفال يتراقصون وراءها. كان ثمة شيء جديد أيضا في البلدة؛ عربة ذات جرس صغير تجوب المكان محملة بالآيس كريم، واستحوذت على انتباه الأطفال أيضا. كان يدفعها الرجل الذي أصيب في حادث المصنع - أنت تعرف عمن أتحدث، ولو أنني لا أستطيع أن أذكر اسمه ... لقد فقد ذراعه حتى المرفق. ولما كانت غرفتي بالفندق في الطابق الثالث، شعرت وكأنها موقد، فاعتدت أن أجوب الشوارع إلى ما بعد منتصف الليل، وهكذا كان يفعل الكثيرون الذين كانوا أحيانا يخرجون في ثياب النوم. كان المشهد أشبه بحلم بالنسبة إلي. لم يزل النهر يحتفظ بالقليل من المياه التي تكفي لركوب قارب تجديف، وكان القس الميثودي يخرج للتجديف أيام الآحاد في شهر أغسطس؛ كان يصلي صلاة الاستسقاء في قداس عام، لكن حدث تسريب طفيف في القارب، فتسلل الماء وبلل قدميه، وفي نهاية المطاف غرق القارب وتركه واقفا في الماء الذي لم يصل تقريبا إلى خصره. أكانت هذه حادثة أم خدعة خبيثة؟ ذاع الخبر بأن الرب استجاب لدعائه، لكن الماء تدفق من الاتجاه الخطأ.

كثيرا ما أمر ببيت دود خلال جولاتي. أبوك يحافظ على جمال الحشائش والأسيجة. يروقني البيت، ففيه عبق الأصالة وسيماء البهجة، لكن ربما لم يكن المكان باردا هناك؛ لأني سمعت صوت الأم والرضيعة في وقت متأخر من الليل وكأنهما في الحديقة.

نامعلوم صفحہ