23

لم يكن بوسعه الآن الاستفسار عن اسم الرجل، سيتعين عليه أن يحصل على اسمه بطريقة أخرى؛ فبعد الخدمات التي قدمها للمكان، سيكون الجهل باسمه بمنزلة إساءة.

لكنه اكتشف أنه يعرف اسمه بالفعل، خطر له الاسم على حين غرة؛ فبينما كان يضع طرف سترته على أذن القتيل التي ما برحت تشير لأعلى، ومن ثم بدت وكأنها مفعمة بالحياة دون أن يصيبها عطب، خطر له الاسم. إنه ابن الرجل الذي كان يتردد على بيتهم ليعتني بالحديقة، ذاك الرجل الذي لم يكن يعتمد عليه دوما. رجل آخر يختاره القدر مرة أخرى إثر عودته من الحرب. هل هو متزوج؟ هكذا حسبه. سيتعين عليه أن يزور زوجته في أسرع وقت ممكن، أما الآن، فإنه بحاجة إلى ملابس نظيفة. •••

عادة كانت أمينة المكتبة ترتدي بلوزة حمراء داكنة، وكانت شفتاها مخضبتين بلون يتماشى مع لون البلوزة، وكان شعرها مقصوصا قصة قصيرة. لم تعد يافعة بعد، لكنها احتفظت لنفسها بهيئة ملفتة للأنظار. تذكر أنه منذ عدة سنوات عندما عينوها، حدث نفسه بأنها بارعة الأناقة. لم يكن شعرها قصيرا آنذاك، بل كان ملفوفا أعلى رأسها تأسيا بالموضة التي كانت شائعة آنذاك. ولم يفقد شعرها لونه؛ ذلك اللون الدافئ البديع الذي يشبه لون أوراق شجر البلوط في الخريف. حاول أن يتذكر كم كان راتبها، بالتأكيد لم تكن تجني الكثير، لكنها بدت رائعة الجمال حتى مع دخلها المحدود. وأين كانت تعيش؟ هل في ذلك النزل الذي كان يقيم فيه أساتذة المدارس؟ لا، ليس هناك، كانت تعيش في الفندق التجاري.

والآن، ثمة شيء آخر خطر له؛ لا توجد قصة محددة يستطيع أن يتذكرها. لم يكن بوسع أحد الزعم بثقة أنها سيئة السمعة، لكن سمعتها لم تكن خالية من الشبهات أيضا، فقد زعم أنها تحتسي الشراب برفقة المسافرين. ربما لديها رفيق بينهم، رفيق أو رفيقان.

كانت ناضجة بما يكفي لتفعل ما يحلو لها. لم يكن وضعها مماثلا لتلك المعلمة التي عينت، من بين أسباب أخرى، لأجل أن تكون مثالا يحتذى به. لا غبار عليها ما دامت تنجز عملها كما ينبغي، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. حياتها أمامها لتعيشها، شأنها شأن غيرها من البشر. ألا تفضل أن تعمل امرأة فاتنة هنا بدلا من العجوز النكدة ماري تامبلين؟ قد يفد الغرباء على البلدة، ويحكمون عليها بما تراه أعينهم؛ ولذا فإننا بحاجة إلى امرأة فاتنة حسنة الخلق.

كفاك! من قال إنه ليس لدينا امرأة بهذه المواصفات؟ كان يجري حوارا افتراضيا ويدفع الحجة بالحجة نيابة عنها، وكأن شخصا أتى وأراد أن يقصيها من مكانها، ولم يكن ثمة ما يوحي له بأن الحال كان على هذا النحو.

ماذا عن سؤالها الذي طرحته الليلة الأولى بخصوص الآلات؟ ماذا كانت تعني بذلك؟ أكانت طريقة خبيثة لتأنيب الضمير؟

حدثها عن الصور والإضاءة وأخبرها حتى كيف أن والده أرسل العمال إلى هنا، ودفع لهم مقابل صنع أرفف المكتبة، لكنه لم يتكلم قط عن الرجل الذي أخذ الكتب دون أن يخبرها بذلك. الأرجح أنه أخذ كتابا في كل مرة، ربما أخفاه تحت معطفه. لا بد أنه أعادها إلى المكتبة بالطريقة نفسها، وإلا تراكمت عنده في البيت، ولم تكن زوجته لتوافق على ذلك. كانت سرقته للكتب مؤقتة، سلوكا غير مؤذ، ولكنه غريب! هل كانت ثمة أي علاقة بين ظن المرء أنه قادر على فعل الأمور على نحو مختلف بعض الشيء، وبين افتراض أنه يستطيع أن يفلت بفعلته بحركة طائشة ربما تفضي إلى أن يعلق كمه وتسوق المنشار إلى عنقه؟

ربما كانت ثمة علاقة ... إنها مسألة سلوك. «ذاك الرجل - كما تعرفين - الذي تعرض لحادث.» هكذا تحدث إلى أمينة المكتبة مضيفا: «لماذا في رأيك كان يتسلل بهذه الطريقة لأخذ الكتب التي كان يريدها؟»

قالت أمينة المكتبة: «هذا حال الناس جميعا؛ منهم من يمزق الصفحات لشيء لم يرق له أو لأمر يقوم به. إنهم يقدمون على أمور غريبة فحسب! لا أعرف.» «هل سبق أن مزق بعض الصفحات؟ هل حدث أن عنفته من قبل؟ هل جعلته يرهب مواجهتك مطلقا؟»

نامعلوم صفحہ