قال: لأن «الخياطة»، تضمّ خرق القميص والسّرد يضمّ حلق الدرع». أفلا تراه بيّن أن جنسهما واحد، وأن كلّا منهما ضمّ ووصل وإنما يقع الفرق من حيث أن «الخياطة» ضمّ أطراف الخرق بخيط يسلك فيها على الوجه المعلوم، و«الزّرد» ضمّ حلق الدرع بمداخلة توجد بينها، إلّا أن الشّكال الذي يلزم أحد طرفي الحلقة الآخر بدخوله في ثقبتيهما، في صورة الخيط الذي يذهب في منافذ الإبرة.
واستقصاء القول في هذا الضرب، والبحث عن أسراره، لا يمكن إلا بعد أن تقرّر الضروب المخالفة له من الاستعارة، فأقتصر منه على القدر المذكور، وأعود إلى القسمة.
ضرب ثان يشبه هذا الضرب الذي مضى، وإن لم يكن إياه، وذلك أن يكون الشبه مأخوذا من صفة هي موجودة في كل واحد من المستعار له والمستعار منه على الحقيقة. وذلك قولك: «رأيت شمسا»، تريد إنسانا يتهلّل وجهه كالشمس. فهذا له شبه باستعارة «طار» لغير ذي الجناح وذلك أن الشبه مراعى في التلألؤ، وهو كما تعلم موجود في نفس الإنسان المتهلل، لأنّ رونق الوجه الحسن من حيث حسن البصر، مجانس لضوء الأجسام النيّرة. وكذلك إذا قلت: «رأيت أسدا» تريد رجلا، فالوصف الجامع بينهما هو الشجاعة، وهي على حقيقتها موجودة في الإنسان، وإنما يقع الفرق بينه وبين السّبع الذي استعرت اسمه له فيها، من جهة القوّة والضعف والزيادة والنقصان، وربما ادّعي لبعض الكماة والبهم مساواة الأسد في حقيقة الشجاعة التي عمود صورتها انتفاء المخافة عن القلب حتى لا تخامره، وتفرّق خواطره وتحلّل عزيمته في الإقدام على الذي يباطشه ويريد قهره، وربما كفّ الشّجاع عن الإقدام على العدوّ لا لخوف يملك قلبه ويسلبه قواه، ولكن كما يكفّ المنهيّ عن الفعل، لا تخونه في تعاطيه قوّة. وذلك أن العاقل من حيث الشرع منهيّ عن أن يهلك نفسه، أترى أنّ البطل الكميّ إذا عدم سلاحا يقاتل به، فلم ينهض إلى العدوّ، كان فاقدا شجاعته وبأسه، ومتبرّئا من النّجدة التي يعرف بها.
ثم إن الفرق بين هذا الضرب وبين الأول أن الاشتراك هاهنا في صفة توجد في جنسين مختلفين، مثل أنّ جنس الإنسان غير جنس الشمس، وكذلك جنسه غير جنس الأسد، وليس كذلك «الطيران» و«جري الفرس»، فإنهما جنس واحد بلا شبهة،
1 / 52