استعارته للغداة حكم «اليد» في استعارتها للشمال، إذ ليس هناك مشار إليه يكون الزمام كناية عنه، ولكنه وفّى المبالغة شرطها من الطرفين، فجعل على «الغداة» «زماما»، ليكون أتمّ في إثباتها مصرّفة، كما جعل للشمال «يدا»، ليكون أبلغ في تصييرها مصرّفة.
ويفصل بين القسمين أنك إذا رجعت في القسم الأول إلى التشبيه الذي هو المغزى من كل استعارة تفيد، وجدته يأتيك عفوا، كقولك في «رأيت أسدا» «رأيت رجلا كالأسد» أو «رأيت مثل الأسد» أو «شبيها بالأسد» وإن رمته في القسم الثاني وجدته لا يؤاتيك تلك المؤاتاة، إذ لا وجه لأن تقول: «إذا أصبح شيء مثل اليد للشمال» أو «حصل شبيه باليد للشّمال»، وإنما يتراءى لك التشبيه بعد أن تخرق إليه سترا، وتعمل تأمّلا وفكرا، وبعد أن تغيّر الطريقة، وتخرج على الحد الأول (١)، كقولك: «إذ أصبحت الشّمال ولها في قوة تأثيرها في الغداة شبه المالك تصريف الشيء بيده، وإجراءه على موافقته، وجذبه نحو الجهة التي تقتضيها طبيعته، وتنحوها إرادته»، فأنت كما ترى تجد الشّبه المنتزع هاهنا إذا رجعت إلى الحقيقة، ووضعت الاسم المستعار في موضعه الأصلي لا يلقاك من المستعار نفسه، بل مما يضاف إليه. ألا ترى أنك لم ترد أن تجعل الشّمال كاليد ومشبهة باليد، كما جعلت الرجل كالأسد ومشبّها بالأسد، ولكنك أردت أن تجعل «الشمال» كذي اليد من الأحياء، فأنت تجعل في هذا الضرب المستعار له وهو نحو «الشمال» ذا شيء، وغرضك أن تثبت له حكم من يكون له ذلك الشيء في فعل أو غيره، لا نفس ذلك الشيء، فاعرفه.
وهكذا قول زهير: [من الطويل] وعرّي أفراس الصّبا ورواحله (٢) لا تستطيع أن تثبت ذواتا أو شبه الذوات تتناولها الأفراس والرّواحل في البيت،
_________
(١) وفي نسخة: الحذو الأول.
(٢) البيت وصدره:
«صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله» صحا: انكشف عنه ما كان من سكر الباطل. وأقصر: كفّ. وتقول: قد أقصرت عن ذلك، أي:
كففت. وعرّي أفراس، مثل ضربه أي: تركت الصبا فلا أركبه ولا آتيه. وصبا: مال إلى الشيء وكل مائل صاب. وهذا البيت مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى يمدح فيها حصن بن حذيفة بن بدر.
1 / 42