Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
ناشر
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
پبلشر کا مقام
https
اصناف
ابن أبي شيبة، وهي بفتح الموحَّدة وسكون المثلَّثة، ويجوز فتحها: الخراج الصغير، كالجدري، (فخرج منها)؛ أي: من البثرة (دم) وعند [ابن] أبي شيبة: (فخرج منها شيء من دم فحكَّه بين أصبعيه، ثم صلى) (ولم يتوضأ)؛ لأنَّه غير ناقض للوضوء؛ لعدم سيلانه، ولا فيه قوة السيلان، كما لو تخلل بعود فخرج عليه دم لا ينتقض؛ لأنَّه غير سائل، وقال في «الهداية»: ولو خرج الدم بالعصر وكان بحيث لو لم يعصر؛ لم يسل؛ قالوا: لا ينقض؛ لأنَّه ليس بخارج، وإنما هو مُخرَج، وهو المختار، وهو ظاهر عبارة القدوري، لكن اختار في «فتح القدير» عن «الكافي» النقض قال: (وهو الأصح، واعتمده غير واحد).
قلت: والمعتبر عين السيلان، ولو بالقوة؛ لما قالوا: لو مسح الدم كلما خرج، ولو تركه لسال؛ نقض، وإلا؛ فلا، وكذا لو وضع عليه قطنة أو شيئًا آخر حتى ينشف، ثم وضعه ثانيًا وثالثًا، فإنه يجمع جميع ما نشف، فإن كان بحيث لو تركه سال؛ نقض، وإلا؛ فلا، وإنما يعرف ذلك بالاجتهاد وغلبة الظن، كذا في أكثر المعتبرات، فإذًا المعتبر السيلان، وفي مسألتنا لم يوجد السيلان ولو بالقوة؛ فلا نَقْضَ للوضوء أصلًا، فهذا حجَّة لمذهب الإمام الأعظم وأصحابه ﵃؛ فافهم.
(وبزق)؛ بالزاي والسين والصَّاد بمعنًى واحد، كذا قاله في «عمدة القاري»، (ابن أبي أوفَى)؛ بفتح الفاء، هو عبد الله، واسم أبي أوفى: علقمة بن الحارث، الصحابي بن الصحابي، شهد بيعة الرضوان وما بعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتى قُبِض النبي الأعظم ﵇، وقال في حقِّه ﵇: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، ثم انتقل إلى الكوفة، وتوفِّي بها سنة سبع وثمانين، وقد كُفَّ بصره، وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وهذا عبد الله بن أبي أوفى أحد من رأى الإمامُ الأعظمُ من الصحابة وروى عنه، وكان عمر الإمام الأعظم حينئذ سبع سنين، لأنَّ مولده ﵁ كان سنة ثمانين على الصحيح، وقيل: سنة سبعين، وعليه فيكون حين رآه عمره سبع عشرة سنة.
وقد صح أن الإمام الأعظم قد سمع الحديث من سبعة من الصحابة، كما بسطه في أواخر «منية المفتي»، وذكر شمس الدين بن عربشاه الأنصاري في «منظومته» ثمانية من الصحابة ممن روى عنهم الإمام الأعظم: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن أبي أوفى، وعامر بن الطفيل، وعبد الله بن أنيس، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وسهل بن سعد، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن بسر، ومحمود بن ربيع رضي الله تعالى عنهم، فهو من التابعين، كما جزم به الحافظ الذهبي، وابن حجر العسقلاني، والبدر العيني وغيرهم من الحفاظ، وأدرك بالسن نحو عشرين صحابيًّا، كما بسطه في أوائل «الضياء المعنوي»، وزاد عليه في «تنوير الصحيفة»، وقد اتَّبعه على مذهبه كثير من الأولياء الكرام؛ كإبراهيم بن أدهم، وشقيق البلخي، ومعروف الكرخي، وأبي يزيد البسطامي، وفضيل بن عياض الخراساني، وداود بن نصر الطائي، وأبي حامد اللفاف، وخلف بن أيوب، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجرَّاح، وأبي بكر الورَّاق، وغيرهم ممن لا يُحصَون، وقال أبو القاسم القشيري: (سمعت أبا علي الدقاق يقول: أخذت هذه الطريقة عن أبي القاسم النصرباذي، وقال: أنا أخذتها من الشبلي، وهو أخذها من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من الإمام الأعظم ﵃، وكلٌّ منهم قد أثنى عليه، وأقر بفضله)، وقال ابن المبارك في حقِّه ﵁:
لقد زان البلادَ ومن عليها... إمَامُ المسْلِمينَ أبُو حَنِيفةْ
بأحكامِ وآثارِ وفقهٍ... كآيَاتِ الزَّبُورِ عَلَى صَّحِيفَةْ
فما في المشرقين له نظيرٌ... ولا في المغربين ولا بكوفةْ
يبيت مشمِّرًا سَهَرَ الليالي... وصام نهاره لله خيفةْ
فمن كأبي حنيفة في علاه... إمام للخليقة والخليفةْ
رأيت العائبين له سفاهًا... خلاف الحق مع حجج ضعيفةْ
وكيف يحل أن يؤذى فقيه... له في الأرض آثار شريفةْ؟
وقد قال ابن إدريسٍ مقالًا... صحيح النقل في حكمٍ لطيفةْ
بأنَّ الناس في فقه عيالٌ... على فقه الإمام أبي حنيفةْ
فلعنة ربنا أعداد رمل... على من رد قول أبي حنيفةْ
فأشار ﵁ بابن إدريس، وهو الإمام الشافعي حيث قال: (الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه)، وقد تزوج الإمام محمد الشيباني بأم الشافعي، ففوض إليه كتبه وماله، فبسببه صار الشافعي فقيهًا، ولقد أنصف الشافعي حيث قال: (من أراد الفقه؛ فليلزم أصحاب أبي حنيفة، فإنَّ المعاني قد تيسَّرت لهم، والله ما صرت فقيهًا إلَّا بكتب محمد بن الحسن)، وقال: (إن من أمنِّ الناس عليَّ في الفقه محمد بن الحسن)، كذا ذكره غير واحد من الحنفية والشافعية حتى ابن حجر في «التحفة»، ولا يلتفت إلى قول المعاندين المتعصبين، وليس مثلهم إلا كمثل الذباب وقع تحت ذنب جواد في حالة كرِّه وفرِّه، ولا يخفى أن النقي لا يغيره مقل الذباب، كما أن البحر لا يفسده ولوغ الكلاب، ولله درُّ من قال:
يَا نَاطِحَ الْجَبَلِ الْعَالِي لِيُكْلِمَهُ... أَشْفِقْ عَلَى الرَّأْسِ لَا تُشْفِقْ عَلَى الْجَبَلِ
ومنشأ ذلك أنه لما شاعت فضائل الإمام الأعظم، وظهرت رفعته، ولم يظهر لأحد من الأئمة المشهورين مثل ما ظهر له من الأصحاب والتلاميذ، ولم ينتفع الناس والعلماء بمثل ما انتفعوا به وبأصحابه في تفسير الأحاديث المشتبهة، والمسائل المستنبطة، والنوازل والقضايا والأحكام، وما قال قولًا إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام، وقد جعل الله الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام، إلى أن يحكم بمذهبه عيسى ﵇، كما في «الدر» و«القهستاني» يدل لذلك ما ذكره أهل الكشف أن مذهبه آخر المذاهب انقطاعًا، كما قاله الشعراني في «الميزان»؛ تكلموا فيه بما يليق بهم، كما تكلموا في مالك والشافعي وأحمد، بل وفي الصدِّيق وعمر وعثمان وعلي، وكل الصحابة، ولله درُّ من قال:
وَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْجُو مِنِ النَّاسِ سَالِمًا... وَلِلنَّاسِ قَالٌ بِالظُّنُونِ وَقِيلُ
وقد انتصر للإمام الأعظم السيوطي في «تبييض الصحيفة»، وابن حجر في «الخيرات الحسان»، وابن عبد الهادي الحنبلي في «تنوير الصحيفة» وغيرهم من الأئمة الأعلام، ولله درُّ القائل:
حَسْبِي مِنِ الْخَيْرَاتِ مَا أَعْدَدْته... يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي رِضَا الرَّحْمَنِ
دِينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْوَرَى... ثُمَّ اعْتِقَادِي مَذْهَبَ النُّعْمَانِي
وقد نظم بعض الأفاضل تاريخ مولد الإمام الأعظم ووفاته، ومولد الإمام مالك ووفاته، ومولد الإمام الشافعي ووفاته، ومولد الإمام أحمد ووفاته؛ مشيرًا إليه بحروف الجُمَل لكل إمام منهم ثلاث كلمات على هذا الترتيب حيث قال:
تَارِيخُ نُعْمَانَ يَكُنْ سَيْفٌ سَطَا... وَمَالِكٌ فِي قَطْعِ جَوْفٍ ضُبِطَا
وَالشَّافِعِيُّ صَيِّنٌ بِيْرٌ نَدٍ... وَأَحْمَدٌ بِسَبْقِ أَمْرٍ جُعِّدَا
فَاحْسبْ عَلَى تَرْتِيبِ نَظْمِ الشِّعْرِ... مِيلَادَهُمْ فَمَوْتُهُمْ كَالْعُمُرِ
وفيه إشارة إلى أنهم على هذا الترتيب كترتيب الخلفاء الراشدين: الإمام الأعظم، فمالك، فالشافعي، فأحمد ﵃.
وهذا الأثر وصله سفيان الثوري في «جامعه»، عن عطاء بن السائب، ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» بسند جيد، عن عبد الوهاب الثقفي، عن عطاء بن السائب قال: رأيت ابن أبي أوفى بزق (دمًا) مخلوطًا بالبزاق، وهو يصلي من غير إظهار حروف، (فمضى في صلاته)؛ أي: استمر فيها؛ لعدم انتقاض طهره بذلك؛ لأنَّ الدم الذي يخرج من الفم إن كان من جوفه؛ فغير ناقض للوضوء عند الإمام محمد، كما في «التاترخانية»، وهو الصحيح، كما في «المحيط» و«السراج»، وإن كان من بين أسنانه؛ فالمعتبر للغلبة للبزاق وللدم، فإن غلب البزاق على الدم لا يَنْقُض، كما في مسألتنا، وإن غلب الدم؛ نقض، والغلبة تُعلَم من حيث اللون؛ فإن كان الدم المخلوط لونه أصفر؛ فهو مغلوب لا يَنْقُض، وإن كان شديد الحمرة؛ فهو غالب، وإن لم تشتدَّ حمرته؛ فمساوٍ، وهما ناقضان احتياطًا، ولم يتعرض الراوي لذلك، وظاهر كلامه هذا.
وقد روى ابن أبي شيبة عن الحسن في رجل بزق فرأى في بزاقه دمًا: أنه لم يرَ ذلك شيئًا حتى يكون عبيطًا، وروي عن ابن سيرين: (أنه ربما بزق، فيقول لرجل: انظر هل تغير الريق؟ فإن قال: تغير يبزق الثانية، فإن كان في الثالثة متغيِّرًا؛ فإنَّه يتوضأ، وإن لم يكن في الثالثة متغيِّرًا؛ لم يرَ الوضوء).
قلت: والتغيير لا يكون إلا بالغلبة، كما ذكرنا؛ فافهم، والله تعالى الكريم أعلم.
(وقال ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄ (و) قال (الحسن)؛ أي: البصري، وهذان الأثران رواهما ابن أبي شيبة في «مصنفه» (فيمن يَحْتَجِم) وللأربعة: (فيمن احتجم): (ليس عليه إلا غَسْلُ مَحَاجمه) جمع مَحجمة -بفتح الميم-: مكان الحجامة، وبكسر الميم: اسم للقارورة، والمراد هنا الأول، وسقط لفظة: (إلا) عند أكثر الرواة؛ يعني: أن الوضوء ينتقض بالحجامة، وعليه غسل مكان الحجامة؛ لأنَّها تنجَّست بالدم النجس، فإنَّ هذين الأثرين مبنيان على سؤال سائل سأل: إذا احتجم الرجل هل يَنْجُسُ مكان الحجامة؟ فأجابا: بأنَّه يلزمه غسل مكان الحجامة؛ يعني: وإذا كان متوضِّئًا؛ ينتقض وضوءُه، فلا دلالة فيه على أنَّ الحجامة لا تنقض الوضوء؛ لأنَّه لم يصرِّح بالوضوء؛ هل السائل متوضِّئ أم لا؟ والظاهر: أن السؤال وقع عن مكان الحجامة، هل تنجس؛ فيلزم غسله، أو طاهر؛ فلا يلزم؟ ويدل لهذا لفظ أثر ابن عمر: (أنه كان إذا احتجم؛ غسل أثر محاجمه)، وأثر الحسن: أنه كان يقول: (يغسل أثر المحاجم)، ففي كلٍّ منهما لم يتعرض لذكر الوضوء، فدلَّ على أن الوضوء ينتقض، ويلزمه غسل محاجمه، وهو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، والإمام أحمد ابن حنبل وغيرهم.
وقال في «عمدة القاري»: (الدم الذي يخرج من موضع الحجامة مُخرَج وليس بخارج، والنقض يتعلق بالخارج، فإذا احتجم وخرج الدم في المَحْجَمِ بمصِّ الحجَّام ولم يَسِلْ ولم يلحق إلى موضع يلحقه حكم التطهير؛ فعلى الأصل المذكور: الوضوء لا ينتقض، ولكن لا بدَّ من غسل مَحَاجمه بأي شيء كان) انتهى.
ولئن سلمنا أنَّه على ظاهره غير ناقض؛ فهو ليس بحجة على الأئمة الحنفية والحنابلة؛ لأنَّه إن كان من أقوال الصحابة؛ فالمروي عن النبي الأعظم ﵇ بالنقض بالدم أحق وأولى بالاتباع، وأقوال الصحابة لها تأويل ومحمل صحيح، ولا تأويل ولا محمل لأقوال النبي الأعظم ﵇، وإن كان من قول التابعين؛ فليس بحجة عليهم؛ لأنَّه لا يلزمنا الأخذ بما اجتهدوا به؛ لأنَّ كلَّ واحد من التابعين له اجتهاد خاصٌّ، فلا يلزم الأخذ باجتهاده، فهم رجال ونحن رجال، كما قدمناه؛ فافهم.
[حديث: لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة]
١٧٦ - وبه قال: (حدثنا آدم)؛ بالمد، أي: ابن أبي إياس؛ بكسر الهمزة، كما صرح به في رواية (قال: حدثنا ابن أبي ذئب)؛ بالهمز، نسبه لجده الأعلى؛ لشهرته به، وإلا فهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب -واسمه هشام- بن شعبة (قال: حدثنا سعيد)؛ أي: ابن أبي سعيد؛ بكسر العين فيها (المقبُري)؛ بتثليث الموحدة والضم أشهر، وفي رواية: (عن سعيد المقبري)، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر ﵁ (قال: قال النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله)، ﷺ: لا يزال العبد)؛ أي المؤمن وكذا المرأة (في صلاة) خبر (يزال)؛ أي: في ثواب صلاة، والقرينة على ذلك قوله: (ما كان)، وفي رواية: (ما دام) (في المسجد) أي مسجد كان، فـ (أل) فيه للجنس، وهو شاملٌ للمكان المُعَدِّ للصَّلاة في داره أو بيته أو غيرهما؛ لأنَّ الثواب المترتب سببه الانتظار؛ فافهم، ولذا قال: (ينتظر الصلاة) جملة محلها النصب خبر للفعل الناقص (كان) أو (دام)، وإما حال و(في المسجد) الخبر، ويجوز العكس، وإنما نكَّر (الصلاة)؛ لأنَّه قصد به التنويع؛ ليُعلَم أن المراد نوع صلاته التي ينتظرها، مثلًا لو كان في انتظار صلاة الظهر كان في صلاة الظهر، وهلمَّ جرًّا، وأمَّا تعريف (المسجد)، فلأن المراد به المسجد الذي هو فيه مطلقًا، كما قلنا، والتقدير في ذلك: لا يزال العبد في ثواب صلاة ينتظرها ما دام ينتظرها، والقرينة على ذلك لفظالانتظار، ولو كان يجري على ظاهره وكان المراد حقيقتها؛ لما جاز له أن يتكلَّم، ولا أن يأتي بما لا يجوز فعله في الصلاة، فيقرأ القرآن، أو يسبِّح، أو يهلل، أو يَتَنَفَّل في غير وقت مكروه لا أنَّه يتكلم بكلام الناس كالمباح، فإنَّه ورد أنَّ الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فيظنُّ نفسه أنَّه قد فعل طاعة وحَصَّلَ ثوابًا، والحال أنه قد فعل مكروهًا وذهبت حسناته، وهذا فضلًا عما اعتيد في زماننا من الكلام المُحَرَّمِ في المسجد كالغيبة التي صارت في زماننا فاكهة المجالس، وكذا النميمة والكذب وغيرها من المحرمات التي لا يجوز فعلها في كلِّ مكان فضلًا عن المسجد، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(ما لم يُحْدِثْ)؛ أي: ما لم يأت بالحدث، وهو أعم من أن يكون فُسَاءً أو ضُرَاطًا أو غيرهما من النواقض للوضوء من المجمع عليها والمختلف بها، وكلمة (ما) مصدرية زمانية، والتقدير: مدة دوام عدم الحدث، كما في قوله تعالى: ﴿مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣١]؛ أي: مدة دوامي حيًّا، فحُذِفَ الظرفُ وخَلِفَتْهُ (ما) وَصِلَتُها.
(فقال رجل) هذا مدرج من سعيد (أعجمي)؛ وهو الذي لا يُفْصِح، ولا يبين كلامه، وإن كان من العرب، والعجم: خلاف العرب، والواحد: عجمي، وقال الجوهري: (لا تقل: رجل أعجمي؛ فتنسبه إلى نفسه إلا أن يكون أعجم وأعجمي؛ مثل: دوار ودواري)، قال في «عمدة القاري» بعد نقله ذلك: (فهم من كلامه أن الياء المثناة التحتية في «أعجمي» ليست للنسبة كما زعمه ابن حجر، وإنما هي للمبالغة) انتهى، قلت: وهو في غاية التحقيق؛ فافهم.
(ما الحَدَثُ يا أبا هريرة؟ قال: الصوت؛ يعني: الضرطة) ونحوها من المفسدات للطهارة المجمع عليها والمختلف بها؛ لأنَّ لفظ (الحدث) عامٌّ في سائر النواقض، وإنما خصص الحدث بالضرطة؛ لأنَّ الغالب أنَّ الخارج في المسجد حالة الانتظار إنَّما هو الريح المعبر عنه بالضرطة، فوقع الجواب طبق السؤال، ولكن فهم أبو هريرة أنَّ مقصود هذا السائل الحدث الخاص، وهو الذي يقع في المسجد حالة الانتظار، والعادة أنَّ ذلك لا يكون إلا الضرطة فوقع الجواب طبق السؤال، وإلا فأسباب النقض كثيرة، كذا في «عمدة القاري»، وهو الظَّاهر، كما في «القسطلاني» و«العجلوني»، والله أعلم.
1 / 73