فأخذه شفيق وتأمله، فإذا هو على شكل المرساة في غاية ما يكون من الإتقان، لطيف الهيئة، دقيق الصنعة، فتبسم ونظر إليها نظرا مملوءا من الحب قائلا: لو علمت قبل الآن طلبك لكنت أولى منك بتقديم مثل هذه المرساة؛ لأنها رمز عن الأمل، وأؤكد لك أن أملك في محله.
دار بينهما كل ذلك الحديث وكل منهما يحاذر أن يمس ثوب الآخر إجلالا للطهارة والعفة، فما أتما المعاهدة إلا وقد ذهب بياض النهار أو كاد، فنهضا يتمشيان في الحديقة والشمس ترمقهما مودعة من خلال الأشجار والأزهار، وهما مشتغلان عنها بتصوراتهما الحبية.
الفصل السابع عشر
مجيء الرقيب
وفيما هما في ذلك جاءهما بخيت مسرعا وهو يقول لشفيق: ودع سيدتي واخرج من الباب الآخر للحديقة، وقد قلت لسائق عربتك أن يذهب وينتظرك هناك؛ لأن سيدي آت، فلعل أحدا وشى بكما إليه، فودعها شفيق وخرج مسرعا من الباب الآخر؛ صيانة لشرفها، وعرج من هناك حتى جاء الشارع على مسافة من الحديقة، فإذا بالعربة منتظرة، فركب وأمر السائق بسرعة المسير فعاد.
أما فدوى فتكدرت لهذه المصادفة، ولكنها تجلدت وداومت التبختر في الحديقة كمن يتمتع بمناظر الطبيعة الجميلة، وبخيت إلى جانبها، ثم سارا يريدان الخروج وإذا بوالدها داخل بغتة، فهمت إليه وقبلت يديه، فسلم عليها.
وسبب مجيئه أن عزيزا لما عاد من عندهما أخذ يفتش عن وسيلة للإيقاع بشفيق والتقرب من والد فدوى، فلاح له أن يذهب إلى والدها ويغريه بالمجيء إلى قصر النزهة، فذهب إليه وحادثه بمواضيع مختلفة إلى أن قال له: هل تمكث في البيت طول نهارك؟ قال: نعم، قلما أخرج لا لشغل.
قال: هل لك أن نسير معا للنزهة في شارع شبرا؟
قال الباشا: هلم بنا؛ فإن ابنتي قد ذهبت إلى هناك، فعسى أن نلتقي بها ونعود معا.
وكان قصد عزيز أن يأتي والدها ويراها مع شفيق، فيصدق ما كان قد قاله له عزيز، ويعظم في عينيه؛ ولذلك كان حديثه كل الطريق بشأن فدوى، ووجوب الانتباه إلى ذهابها وإيابها، منتظرا أن يثبت كلامه لدى الباشا عندما يصل ويرى شفيقا وفدوى.
نامعلوم صفحہ