فقال عزيز: هيا بنا نتمم سرورنا بمشاهدة احتفال فتح الخليج. وخرجا من الملعب واستدعيا العربة.
فقال شفيق: قد كفانا ما لقيناه الليلة، ولا شك أن والدي في قلق عظيم على تأخري، وقد أنهكني السهر؛ لأني لم أعتد عليه.
قال عزيز هازئا: من ينام الليلة وهي ليلة فتح الخليج؟ أما والداك فلا أظنهما يتقاعدان عن الذهاب إلى هذا الاحتفال؛ لأن أهل القاهرة عموما، صغارا وكبارا، يذهبون هذه الليلة إلى هناك. وما زال يحاول إقناعه حتى أتت العربة فأمسك بيده وأجلسه فيها، وركبا يريدان فم الخليج وكلاهما تائه في عالم هواجسه؛ هذا يصعد بأفكاره إلى العفاف والحب الطاهر، وذاك يهبط بها إلى الدناءة والخيانة. والأمر العجيب أن أفكارهما مع تناقضها تنتهي بهما إلى نقطة واحدة هي فدوى.
أما شفيق فهذه أول مرة خامر ضميره الريب في صداقة عزيز على أثر ما سمعه عنه، فأراد مكاشفته لئلا يكون فيما بلغه عنه تحامل عليه.
وفيما هما بأثناء الطريق قال شفيق: إن الصداقة التي بيننا تقضي علي بمكاشفتك في أمر سمعته، وقد ساءني حصوله؛ فأرجو ألا يكون صحيحا.
قال: ماذا بلغك؟ قال: بلغني أنك تركتني وذهبت لمسامرة إحدى النساء، وقد أفضى بك الأمر إلى الحديث مع بعض الناس بما لا يوافق مصلحتي.
قال عزيز نازعا سيكارته الثخينة من فيه وهو يتميز غيظا كأنه سمع ما يحط من قدره، وقد أدرك أن شفيقا علم كل ما دار بينه وبين والد الفتاة فقال: إني مسرور من مكاشفتك إياي بما في ضميرك أيها العزيز؛ إذ ربما ترفع عني بذلك وقيعتك بي، فتبرئني مما خامرك من الشك في صداقتي؛ وبناء عليه سأطلعك على حقيقة الخبر؛ ليتحقق لديك صدق طويتي لك، فإني لم أفعل ما فعلته إلا سعيا إلى مصلحتك قياما بوعدي؛ لأني توسمت من ميلك إلى فدوى على أثر إنقاذك إياها من مخالب الموت ما حملني على السعي سرا إلى ما يسهل اقترانك بها. ولا بد لنا في ذلك من الحكمة والتعقل.
أما الامرأة التي أشرت إليها، فهي التي سيكون عليها معتمدنا في مرغوبنا؛ لأنها عجوز محنكة، ولها إلمام تام بدخائل بيت الباشا، وقد علمت منها أن الوسيلة الفضلى لنوال بغيتنا إنما هي استجلاب خاطر والدها، فجالسته في خلوته مدة، وبعد الإفاضة معه بالحديث استطردت إلى الخوض في قضيتنا، فجئته من حيث رجوت التطرق إلى الغرض، فنبهت أفكاره إلى وجوب الاحتراس على ابنته، وعدم الإباحة لها في الخروج وحدها، راجيا بذلك أن يسألني عن الخطر الذي يترتب على ذلك فآتي على ذكرك، وما كان من أمر إنقاذك إياها من خطر العار والموت، وأستطرد إلى ذكر صفاتك، ثم ألمح إلى مناسبة اقترانك بها، ولكني لم أستطع الوصول الليلة إلى هذا الحد؛ لأني رأيت منه إعراضا عن الموضوع، فاقتصرت على قصد أن أعود إلى ذلك في فرصة أخرى.
وكان عزيز يتكلم بمظهر السذاجة إيهاما لشفيق، فأخذه شفيق مأخذ الإخلاص وقال له: إني يا عزيز غير طامع في نيل الفتاة؛ لبعد الحالة بيني وبينها، ولا أقول: إني أريدها، إنما أقول: إني لا أطمع فيها.
فالتفت عزيز إليه بغتة حتى وقعت النظارات عن عينيه وكادت تنكسر، فمد يده إليها ورفعها وهو يمسحها بطرف منديله ويمسح آماق عينيه قائلا: وإذا اعتبرت الحقيقة فأنت جدير بها وبأعظم منها. لا أقول ذلك تحقيرا لها في عينيك ؛ لأنها فتاة غنية، وقد زينها الله بكمال الذات والصفات، ولكنك أنت أيضا شاب نادر المثال بآداب نفسك، وذكاء عقلك، فلو طلبت أي ابنة أردتها لنلتها ونلت معها مالا وافرا؛ لأن هذا العصر عصر الشبان، وهم الذين ينالون المهر. وذلك أمر مشهور.
نامعلوم صفحہ