فأجابتها فدوى بما عهد بأبناء مصر من اللطف والدعة وحلو الحديث حتى سحرتها.
فدارت بينهما المحادثة على شئون مختلفة، وتخلصتا بها من حالة الهواء إلى عوائد البلاد حتى وصلتا إلى الملابس والحلي - وكانت فدوى قد ألبست زندها سوارا من ذهب مرصعا بالياقوت والألماس - فقالت لها المرأة: لا شك أن هذا السوار من صنع أوروبا؛ إذ يظهر أنه في غاية الإتقان، فقالت فدوى: نعم، وهل تريدين مشاهدته؟ قالت ذلك وأخرجته من يدها وناولتها إياه قائلة: وهل يستطيع الصاغة عندكم أن يصطنعوا على مثاله.
قالت: إن الصاغة عندنا ماهرون كثيرا، وجميع مصاغنا إنما هو من صنعهم، فانظري إلى هذا السوار (وأشارت إلى سوار في يدها)، فإنه من صنع صاغتنا. فتأملته فإذا هو مصنوع من الذهب المعروف بكسر جفت، ومرصع ترصيعا جميلا.
ثم أعادت إليها سوارها قائلة: نعم، إن صاغتنا ماهرون، ولكن لا يتأتى لهم مباراة صاغة الإفرنج، فانظري إلى هذا الدبوس (ومدت يدها إلى شعرها واستخرجت دبوسا مرصعا بالماس وناولتها إياه)، فإنه من صنع أوروبا - على ما أظن - ولا يمكن صاغتنا أن يأتوا بمثله.
فتناولت فدوى الدبوس، ولما نظرته خفق قلبها ورجفت ركبتاها؛ لأنه يشبه الدبوس الذي أعطته عربون العهد لشفيق، ثم تأملته فإذا هو بعينه، فازداد خفقان قلبها، واصفر وجهها، وازداد ارتجافها حتى صارت تنتفض انتفاضا، وتلعثم لسانها عن الكلام، وبردت أطرافها، فأدركت المرأة ذلك، فتعجبت منه كثيرا ولم تفهم له معنى؛ لأنها لم تعلم له سببا.
أما فدوى فإنها حاولت إخفاء عواطفها فلم تستطع؛ لأن الدموع سبقتها، وأرادت أن تسألها عن كيفية وصول هذا الدبوس إليها فلم يمكنها، وخافت الفضيحة، فأسندت رأسها إلى وسادة المقعد متظاهرة باضطراب في صحتها، فوقع الدبوس من يدها، فتناولته المرأة وشكته في شعرها قائلة: لا أراك الله سوءا يا ابنتي. ما هذا الاضطراب الذي قد اعتراك؟ هل تأمرين باستدعاء الطبيب؟
قالت فدوى: لا حاجة إلى الطبيب الآن، ولا أعلم إذا كنت أحتاج إليه غير مرة. قالت ذلك وهي ترتجف، فنهضت المرأة تريد إطلاع زوجها على ذلك؛ لعله يخاطب والد الفتاة بشأنها فيأتيها بالطبيب، فاستأذنت وخرجت.
فدخل بخيت فرأى سيدته على تلك الحال، فسألها عن شأنها، فأخبرته عن أمر الدبوس وقالت: أريد منك أن تستطلع أمر هذا الدبوس، وكيف وصل إلى هذه المرأة، فقال: سمعا وطاعة. وخرج وهو ليس أقل منها انذهالا في أمر ذلك الدبوس.
أما المرأة فسارت توا إلى زوجها، وأحكت له الحكاية إلى أن قالت: يظهر أن هذه الفتاة مصابة بمرض من الأمراض العصبية، وقد علمت ذلك من شدة ضعفها وسرعة تأثرها، فهل لك أن تخبر والدها بذلك، وتشير عليه باستدعاء الطبيب؛ لأني أضن بهذه الفتاة لما شاهدت من لطفها وجمالها الذي يغشاه الضعف والنحول.
فاستصوب الرجل رأيها وقال: سأغتنم فرصة مناسبة وأذكر ذلك أمامه.
نامعلوم صفحہ