الفصل السادس والخمسون
إرسال الكتاب
فلما كان الصباح التالي بكر إلى الصلاة والمسير إلى حسن، فلما رآه ابتدره بالسؤال عما انتهت إليه إرادة المتمهدي في خطاب غوردون.
فقال حسن: لقد قلت لك إنه لا يقبل، وهكذا جرى، بل قد جرى أكثر مما قلت، فإن المتمهدي قال إنه لم يقم بجهاده رغبة في الدنيا؛ ولذلك لا يريد التسلط على كردوفان. ويؤخذ من مجمل كتابه أنه يطلب إلى غوردون أن يعتقد بمهدويته، وأخيرا قال له: إن النصر مقدور له، وأن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال له: إن كل من يقوم عليه يسقط لا محالة، وأصحب الكتاب بحلة الدراويش، حتى إذا اقتبل غوردون الدعوة يلبس خلعتها.
فقال شفيق: ومتى يسافر الرسول؟ قال: يسافر في صباح الغد. وما غرضك منه؟ قال: لا غرض لي، وإنما سألتك ذلك من باب العلم بالشيء.
فقال حسن: اسمح لي أن أسألك ثانية عن غرضك بالرسول، وأظنك قد اعتقدت صدق نيتي، فإذا أخبرتني بوطرك ربما أستطيع غوثك.
قال شفيق: آه يا أخي! وتساقطت عبراته على الرغم منه، فسكت، فابتدره حسن بالكلام مخففا عنه وقال: لا أصابك الله بسوء يا عزيزي. ما الذي يبكيك؟ أخبرني، قال: يبكيني تذكري والدي اللذين ربياني بدموعهما، وتركا الدنيا من أجلي، فإنهما لا شك يحسبانني في عالم الأموات، وقد لبسا علي الحداد، وقطعا الشعور، وقرعا الصدور. ولم يعد يتمالك عن البكاء ثم قال: ولا تظن في جبنا. إني والله صبرت صبر الرجال، واحتملت فوق ما يحملون، وأما القلب فلا سلطان لي عليه بعد ذلك.
فقال حسن: إننا جميعا في مثل هذا المصاب يا أخي، فلا تذكرني بمن تركتهم ينتحبون علي. وهذا قضاء الله يفعل بخلقه ما يشاء، فلك أسوة بغيرك، فإن في هذه البلدة كثيرين ممن أصابهم مثلما أصابك، وفيهم من ترك عائلته وأولاده يتضورون جوعا، ويئنون على فراقه ويبكونه؛ ظنا منهم أنه فقد وليس من يعولهم.
نامعلوم صفحہ