هذا هو الكنز الذي خرج جاسون ليفوز به، فسار قدما وهو مبتهج ومتلهف إلى القيام بمغامرته العظمى. فطلب من أرجوس، الذي هو أمهر بنائي السفن في ذلك الوقت، أن تبنى له سفينة بها مقاعد لخمسين مجذفا. وأرسلت مينيرفا إلى جاسون كتلة خشبية من شجرة بلوط مقدسة؛ ليصنع منها حيزوم السفينة على صورة رأس سيدة لها القدرة على الكلام. فلما تم بناء السفينة سميت الأرجو، وسمي طاقمها ملاحي سفينة الأرجو. لم يصحب جاسون معه أي بحار عادي في رحلته هذه، وإنما أرسل الدعوة إلى جميع أبطال بلاد الإغريق؛ كي ينضموا إليه، فلما علموا بالأخطار التي كان عليه أن يواجهها جاءوا إليه بصدر رحب.
وهكذا صحبه في هذه الرحلة كاستور وبولوكيس التوءمان اللذان صارا بعد ذلك إلهي الملاكمة والمصارعة، وأورفيوس الشاعر المنشد الإلهي الذي لم ينزل إلى هاديس حتى ذلك الوقت، وزيتيس وكالايس العداءان السريعا الأقدام، وهرقل والصياد أركاس. والصيادة أتالانتا، ونستور ذو الرأي السديد في المجالس، وبيليوس وتيلامون الشابان المحاربان، وأدميتوس الذي صار فيما بعد ملكا وسيدا لأبولو، وثيسيوس، وكثير غير هؤلاء.
رحلة الأرجو
أقلع جاسون من أيولكوس في يوم طاب هواؤه، وقامت جموع غفيرة على الشاطئ لتودعه وتدعو له بالتوفيق والحظ الحسن. فأسرعت السفينة تمخر عباب اليم، كأنها طائر يشق طريقه عبر الهواء، فوصلت بعد عدة أيام إلى لمنوس التي جميع سكانها من النساء اللواتي يقمن بكافة الأعمال. ولما غادروا هذا البلد ذهبوا إلى أمة الدوليونيس، الذين استقبلوهم أولا بالحيطة والشك، ثم عاملوهم كأصدقاء.
يقال إنهم فقدوا هرقل وبحارا آخر في منطقة البحر الأسود؛ بسبب حادث غريب. فقد انكسر بعض مجاذيف السفينة، فنزل هرقل إلى البر؛ ليبحث عن أخشاب ليصنع منها مجاذيف جديدة. ونزل معه غلام يدعى هولاس كان خادمه، وكان هرقل يحبه كما لو كان ابنه. ولما أحس هرقل بالظمأ أمر غلامه بأن يذهب إلى أقرب مجرى ماء، ويأتيه منه ببعض الماء.
ذهب هولاس إلى بركة ماء عذب صغيرة وسط غابة، تظللها الأشجار الباسقة، وتحيط بها الأزهار الرقيقة العطرة. فلما انحنى ليملأ جرته بالماء أبصرته الحوريات اللائي يعشن في تلك البركة، وعلى الفور سحرهن جماله، فلم يكن في العالم كله من يبذ هولاس جمالا. فأسرعن صاعدات من البركة، وأمسكن بيده في رفق ودعونه إلى كهوفهن القائمة تحت الماء. وبأصواتهن الشبيهة بخرير الماء وحفيف أوراق الأشجار، أدخلن النوم إلى رأسه، فأغمض أجفانه رغما منه، وعندئذ جذبنه ببطء إلى أسفل وسط الأمواج المعانقة التي لم تخرجه بعد ذلك إطلاقا.
لما طال انتظار هرقل، ولم يرجع هولاس، ذهب يبحث عنه وسط الغابة مذعورا، ولم يكف عن البحث رغم اعتراض الأبطال الآخرين. وبعد مدة اضطروا إلى ترك هرقل على الشاطئ، وأبحروا بسفينتهم، فظل هرقل عدة أيام يبحث عنه في كل مكان دون جدوى، وأخيرا عاد حزينا إلى بلاد الإغريق.
بعد بضعة أيام، وصل الأبطال إلى دولة أخرى كان ملكها يفخر كثيرا بمهارته في الملاكمة، فكان يشترط على كل غريب يطأ أرض بلاده أن ينازله في شوط ملاكمة. وعادة كان الشوط ينتهي بموت الغريب؛ إذ كان هذا الملك موفور القوة، عظيم المهارة في الملاكمة. وهكذا فرض هذا الشرط على طاقم الأرجو، وأمرهم بأن يختاروا من بينهم بطلا ينازله.
أخذ الملك يزهو ويتمشدق بقوته وبراعته، فقال: «ربما احتجتم بعد قليل إلى اختيار بطل آخر.»
لم يتنافس الأبطال في اختيار البطل الذي سينازل ذلك الملك؛ فقد كان بولوكس ماهرا في الملاكمة تلقى دروسه فيها عن الآلهة أنفسهم، فلم يستغرق الشوط بينه وبين الملك وقتا طويلا. فبعد فترة قصيرة لقي الملك نفس المصير الذي لقيه كل من لاكمه قبل ذلك، ومع هذا فلم تعجب نتيجة المباراة هذه أهل وطنه، فقاموا في الحال يهاجمون بحارة الأرجو الذين اضطروا إلى قتل الكثير منهم قبل العودة إلى سفينتهم.
نامعلوم صفحہ