ذات مرة أعطيت يدي لأسد فأكلها، وقدمي لتمساح فالتهمها، وعيني لصقر ففقأها، فقررت ألا آتمن العصافير على ما تبقى مني، لكن لماذا تأتي أصوات العصافير على شرفتي أشبه بالنواح، لماذا أطلق الرصاص على الفراشات وألوك الندم، لماذا أشعر بالألم كلما ابتسم طفل على كتف أمه وأتحسس قلبي.
5
لا أعرف كيف بدأ الأمر، ربما حين استيقظت صباحا فوجدت الدبابات فوق سريري، ربما حين سقطت غيمة على رأسي ولم ينبهني أحد، ربما حين ركبت قطارا لا يصل أبدا، ربما حين صرت طائرا، أرمق الجثث من أعلى وأغني للخلود، فصدقني المارة، وساروا ورائي إلى الهاوية.
4
كنت أتمنى أن أكون هناك؛ على النهر، بين الغزلان والسماء القريبة، التي أصلح نجومها كل ليلة، أغير المنطفئة بأخرى جديدة، وألف القمر في ثوب ثقيل في ليالي الشتاء خوفا من العواصف، كنت أتمنى أن أكون هناك، حيث لا بدايات ولا نهايات، لا زمان ولا مكان، لا أرض ولا سماء ولا قمر ولا نجوم، حيث أكذب بالشعر وأهرب للنوم من الحب، حيث أصدق بالشعر وأهرب من النوم للحب، حيث لا نوم ولا حب، لا أفتش عن معنى للمعنى، ولا أسئلة للأجوبة البراقة كمرآة، لكنني هنا الآن، على رأسي إكليل الشوك، وأمامي حائط أسود، ويهوذا يضحك في وجهي، ويجرني من لساني إلى الحرب، وأنا هادئ تماما كمن تورط في الحياة رغما عنه، ولا يعرف ماذا يفعل.
3
أنا قاطع طريق الحياة، أساوم أم كلثوم على صوتها، وأنصب الفخاخ لنفسي، دفنت ساعي البريد بيدي، ورسائلي لم تعد تصل إلى أحد. أعرف الألم، أعرف الحزن، أعرف الفقد، أعرف الموت أكثر من أي شيء آخر، كصديق، كحبيب، كلعبة في فيلم كارتون، كرسم على كراسة طفل، كنهاية تطل من النافذة وتبتسم في وجهي، تمد يدها لترفع جانبي فمي إلى أعلى لأبدو كالمهرج. كنا طفلين، خطونا العتبة معا، ركبنا القطار والباص والطائرة معا، لوحنا للمودعين معا، ومن يومها لم نعد. أكتب الشعر ويحصد الأرواح، نلتقي آخر الليل على المقهى، أحصي هزائمي، ويخرج صرة الموتى من جيبه، أنتظر فقط اليوم الذي سيقلب لعبة النرد من أمامي ويقترب، ادن مني يا صديقي. ادن مني يا صديقي. ادن مني.
2
لم يكن أحد سواي هناك، و199 مقعدا فارغا في السينما، ننتظر كلمة النهاية منذ سنوات، أطفئ السيجارة ثم أشعلها، وأربت على المقاعد كأطفال يتامى، عامل السينما يمر على وجهي بكشافه كل يوم، ثم يواصل السير. اصطحبت ذات مرة قطة سوداء، فأخافتني، ومرة كيس شيبسي فامتلأ بالدود. ظلوا يراقبوننا طويلا، حتى مللنا فغفونا، صوب بطل الفيلم مسدسه فسقط جاري ميتا، رصاصة أخرى فتتت كيس الشيبسي، مدوا أيديهم وخطفوا القطة ... وهكذا، لا أعرف كم مضى من الوقت، لكنني أدرك أنه المشهد الأخير.
1
نامعلوم صفحہ