للمخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي، الذي يتمرد على كوابيس الماضي من أجل أحلام المستقبل، ومن أجل تحويل هذه الأحلام إلى واقع. الفيلم يتحدث عن واقع مشابه لما نعيشه، وهو ربيع باريس عام 1968، حين حدثت ثورة الشباب على إغلاق جامعة السوربون والمطالبة بتعديل النظم الجامعية، ثم تطورت الأمور بانضمام العمال للطلبة وحدثت اشتباكات عنيفة بينهم وبين البوليس، واعتصم الطلبة في السوربون ومسرح الأوديون وتحولت إلى أضخم ثورة شعبية شهدتها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، وأدت إلى إصابة فرنسا كلها بالشلل التام حين عمت الإضرابات كل الخدمات العامة وارتفعت أصوات تطالب باستقالة شارل ديجول، وبغض النظر عن نتيجة هذه الثورة، فإن الحالمون بالتغيير كانوا هم من قادوها، ونقلوا حلمهم إلى واقع بدأ بتكسير التابوهات التاريخية.
لكن إذا كان برتولوتشي استطاع رصد تحول الحلم السياسي إلى واقع، فإن المخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا استطاع أن يحول أحلامه إلى واقع، إلى شريط سينما، بل استطاع أن يحول أحلام الآخرين إلى واقع حينما استوحى لوحة حقول القمح والغربان للفنان فان جوخ في فيلمه أحلام
dreams ، والذي يروي فيه ثمانية من أحلامه الحقيقية، بدأها منذ كان طفلا، وحتى صار شابا .
الفيلم الذي يرصد مخاوف الفنان الميتافيزيقية، ربما كان حلما للفن بأكمله بتحويل الحلم إلى واقع، وهو ما جعل أربعة مخرجين كبارا يشتركون فيه، كيروساوا (صاحب الأحلام)، وستيفان سبيلبرج المنتج، وجورج لوكاس منفذ المؤثرات الخاصة، ومارتن سكورسيزي الذي لعب دور فان جوخ في أحد الأحلام. ويروي كيروساوا أن سبب الفيلم هو أنه تذكر نصا لديستويفسكي يقول فيه: «إن الأحلام هي أفكار عميقة مخبأة في القلب، وتخرج خلال النوم في جرأة وعبقرية.» ومن مبرراته أيضا: «الأحلام تعبير حسي عن الرغبة التي تخفيها في الأعماق، وفي لحظة شعرت برغبة جارفة في تسجيل أحلامي على الورق. بالضبط كنت أحس بفراغ كبير، بدأت أنهض صباحا وأسجل بانتظام أحلام الليل، بعد عدة ساعات أعطيت ابني وفريق التصوير ما سجلته ونصحوني أن أخرج منها فيلما، هكذا دون أن ألاحظ أن الذي كان في البداية أفكارا أقرب إلى البحث العلمي أصبح سيناريو فيلم.»
يذكر هذا أيضا بما فعله نجيب محفوظ في آخر أيامه، عندما كان يلجأ إلى تسجيل أحلامه في نصوص سردية بالغة العمق، في «أحلام فترة النقاهة»، لكن الأمر في فيلم كيروساوا، ومجموعة محفوظ، يتجاوز فكرة تسجيل الحلم إلى اصطياد الرؤية.
إذا كنا ندين للثورة بأنها كسرت حاجز الخوف والصمت داخلنا، فإننا ندين لها أيضا بأنها أعادت إلينا أحلامنا، ربما تروح الأحلام وتجيء حسب الدراما التي تعيشها، لكن الحلم أصبح واقعا، وأصبح ممكنا، بالرغم من المخاوف التي لا تنفد.
لا أحد يمكنه قمع الحلم، فقط يبقى على الحلم أن يدفعنا إلى الأمام، أن نصبح أكثر تصالحا مع أنفسنا، وتصبح شخصيتنا واحدة، تتماس وتمتزج، الشخصية التي في الحلم هي الشخصية التي في الواقع، هي الشخصية التي على فيس بوك وتويتر، لحظتها، لحظتها سيصبح الحلم واقعا، ونحطم عالم ماتريكس، ونخرج من رداء ترومان شو.
قتلة بالفطرة
في أول مشهد من فيلم «قتلة بالفطرة» الذي كتبه كوينتن تارانتينو، وأخرجه أوليفر ستون، يقتل الزوجان السفاحان «ميكي ومولي» جميع رواد المطعم ثم يتركان شاهدا واحدا، لأنه هو من سيوصل ما حدث للإعلام ، وهو ما ظلا يفعلانه في كل جرائمهما فيما بعد، في إدراك منهما لأن الصحافة ستحولهما إلى نجمين أكثر شهرة من أوبرا وينفري.
الفيلم الذي أنتج عام 1994 وأثار الجدل مطولا، يبدو هو الأقرب لوصف المشهد العربي الحاضر، من احتفاء بالعنف، سواء من الإعلام الذي يقوم بذلك، أو من القتلة أيا كان تصنيفهم، فبإمكان من يتابع وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومواقع إخبارية أو قنوات فضائية أو مواقع تواصل اجتماعي، أن يدرك كم الجرائم التي ترتكب من شائعات وخلق مجرمين، والمساعدة على أن يصبحوا نجوما يخطفون الأنظار، وأن يصبح الدم مشهدا عاديا عادية المياه في الحياة اليومية، لا يلفت الانتباه أو يثير الاهتمام.
نامعلوم صفحہ