فما جاء على آخر الكتاب حتى كلل العرق جبينه، وتذكر ما قام بين القبط والروم من الضغائن وما قاساه الأولون من الاستبداد والجور، ثم لف الكتاب وخبأه في مأمن وقال لبربارة: «اذهبي بسلام، وإذا رأيت أبي فأخبريه بأن له معي كتابا أريد إطلاعه عليه.» فقبلت يده وعادت تريد الخروج فناداها فرجعت فقال: «إلى أين تذهبين الآن؟» قالت: «إلى الدير» فقال: «لا تطيلي مقامك هنا لئلا تستبطئك سيدتك فيضطرب بالها لما نحن فيه، فأسرعي بالرجوع وأخبريها أننا في خير.»
قالت: «ولكنني أخشى ألا أدركها في عين شمس فيصعب علي المسير وحدي إلى بلبيس.»
فقال: «وما العمل إذن؟»
قالت: «الرأي رأيك يا مولاي، وحبذا لو أذنت أن يرافقني اثنان من رجالك إلى عين شمس، فإذا كان الركب لا يزالون هناك انضممت إليهم وعاد الرجلان، وإلا رافقاني إلى بلبيس، والأمر أمرك.»
فقال: «هل علمت أن أبي سار برفقة أرمانوسة؟»
قالت: «بعث إلينا ونحن في منف أن نسير بسيدتي إلى عين شمس حيث يكون هو في انتظارنا فيرافقنا إلى بلبيس.»
قال: «الأرجح أنك ستشاهدين سيدك في عين شمس، فإليك هذا الكتاب وادفعيه إليه يدا بيد واحذري أن يراه أحد غيره.» ومد يده وأعطاها الأسطوانة وفيها الرق المعهود.
فتناولته وقالت: «وأين أخبئه؟ فإني أخاف إذا رآه أحد من الروم أن يأخذه مني وينكشف الأمر.»
قال: «اجعليه في ثيابك، وهم لا يفتشونك لأنك امرأة، فضلا عن أنك من خدم أبي.»
ثم أمر باثنين من رجاله، فأتيا، فأوصاهما بأن يرافقاها إلى عين شمس وهي على مسيرة ساعتين أو ثلاث من الحصن، فإذا ظفرا بركب والده هناك تركاها وعادا، وإذا كان الركب قد أقلع رافقاها إلى بلبيس، وأعطاهما كتابا إلى أركاديوس ليأذن لهما بالخروج من الحصن، وأمر لهما بمركبة يجرها ثوران قويان ، فأخذا الكتاب وسارا إلى دير المعلقة، وكان أركاديوس هناك يفكر في بربارة وأرمانوسة، فلما جاءه الجنديان بكتاب أرسطوليس أذن لهما، ونظر إلى بربارة بطرف خفي كأنه يوصيها بإتمام الأمر مع أرمانوسة والعودة إليه بالجواب حالا، فأشارت إليه بعينيها مجيبة. •••
نامعلوم صفحہ