وكان أركاديوس لا يزال غارقا في هواجسه وقد أطل من النافذة على النيل يفكر في محبوبته ويبحث عن وسيلة توصله إليها، وظل مترددا بين اليأس والأمل لا يدري كيف يبلغها قصده، وكان أكبر همه أن يطلعها على شدة حبه لها، ويقنعها أن ما بين أبيه وأبيها لا يحول دون اقترانهما إذا بادلته هي حبه. على أنه كان يخشى عاقبة أمره إذا أطلع أباه على ذلك؛ لعلمه بما في قلبه من الضغائن على المقوقس، وما بين الأمتين من النفور، ولكن الحب سهل عليه كل عسير حتى إنه أحب أمة الأقباط كلها من أجل محبوبته، ومال إلى التشيع لهم رغبة في مرضاتها، ونقم على الساعة التي ولد فيها رومانيا، وعلى الأحوال التي جعلت أباها يتشيع للأقباط؛ لأن كلا الأمرين حائل بينه وبينها.
وفيما هو في ذلك إذ دخل عليه أحد رجاله يخبره بأمر بربارة وكتابها، فعجب لأمرها وقال: «هات الكتاب منها» فقال: «إنها لا تريد أن تسلمه إلا بيدها.» قال: «فلتدخل.» فدخلت وحدها وقبلت يد أركاديوس، فحالما رآها استأنس بمنظرها، وخيل إليه أنه رآها مرة من قبل، ولكنه لم يتذكر اسمها ولا الموضع الذي رآها فيه، على أنه ابتسم لها وتناول الكتاب منها وسألها عن أمرها فقالت: «نسينا الأيقونة يا سيدي في الصندوق، وهذا هو المفتاح، فهل تأذن لي بفتحه وإخراجها؟» فلما سمع أركاديوس كلامها ازداد استئناسا بها، وأحب استطلاع حقيقة حالها فقال لها: «كيف تدخلين وحدك بين الجنود وهم يملئون الغرف؟»
قالت: «وماذا يخيفني إذا كنت قادمة إلى سيدي أركاديوس؟»
وكانا يتخاطبان باللغة القبطية، فقال لها: «لعلك من أهل هذا الدير، ولكني لا أرى عليك لباس الراهبات.»
قالت: «إنما أنا نزيلة جئت للصلاة ووفاء بعض النذور، فلما جاء الجنود خرجت مع الراهبات، وقد كلفتني رئيسة الدير أن آتيها بالأيقونة.»
فقال: «ولماذا لم تأت بنفسها أو ترسل إحدى راهباتها؟»
قالت: «إنها لا تجرؤ على مخاطبة سيدي أرسطوليس في شأنها، فبعثت بي لأكلمه في شأنها، فأعطاني هذه التوصية.»
فقال: «وكيف تجرأت أنت على ذلك؟»
قالت: «لأني من بعض خدم قصره.»
فلما سمع أركاديوس ذلك خفق قلبه، وتوسم الخير من حديثها، فعول على تنسم أخبار محبوبته منها فقال: «وأي قصر تعنين؟»
نامعلوم صفحہ