ارمانوسہ مصری

جرجی زیدان d. 1331 AH
139

ارمانوسہ مصری

أرمانوسة المصرية

اصناف

وكان أركاديوس كثيرا ما سمع بوفاء العرب وكرم أخلاقهم، فلما اختبر ذلك بنفسه، نظر إلى مرقس فإذا هو واقف مع زياد، وكل منهما ينظر إليه ويبتسم سرورا بنجاته من الموت، فأدرك أركاديوس أن ذلك كله إنما كان بمساعي مرقس، فوقف يتردد بين الفرج بالنجاة شريفا عزيزا وبين الحزن لسقوط الإسكندرية ودخولها في حوزة المسلمين. أما عمرو فهم بأركاديوس وصافحه قائلا: «ها أنا ذا أصافحك وأؤاخيك منذ الآن، واعلم أنك صديقنا، ولا تحسبنا أخذناك في الحرب، فإننا جئناك زائرين لنشكرك على جميل سبق لك علينا، وها أنا ذا تارك عند معقلك جنودا يمنعون رجالنا من دخوله.»

فازداد أركاديوس إعجابا بتلك المروءة وقال: «بورك فيك من شهم، فأوصيك بالإسكندريين خيرا. لا تدع رجالك يفتكون بهم، فقد كفاهم الأسر.»

فلما خلا أركاديوس بمرقس قال: «ماذا فعلت يا مرقس؟ وكيف حال أرمانوسة؟»

فهم مرقس بيده يقبلها ويقبل الأرض كأنه لا يصدق نجاته من الموت، وقال: «الحمد لله على سلامتك يا سيدي، ها قد رأيت ما تشتهيه نفسي، ولا فضل لي في ذلك؛ لأن عمرا شعر بفضلك عليه فعزم على أن يوافيك، وها قد نجوت من الخطر شريفا بعد أن طلبته للمبارزة فلم يبارزك. أما أرمانوسة فإنها في قلق عظيم، ولا أدري ما حل بها، فأذن لي بالذهاب إليها لأبشرها بسلامتك، وأعود إليك فنسير معا إليها.»

قال ذلك وخرج، وبقي أركاديوس وزياد، فدخلا الحجرة فقال أركاديوس: «ما علاقتك يا زياد بالعرب والروم؟»

قال: «إني خادم يحيى النحوي ، ولكنني في الأصل صديق عمرو، وكنا نرعى الإبل معا في الجاهلية، ثم افترقنا، فأقمت أنا في الإسكندرية، ودخل هو في الإسلام وصار من أمراء المسلمين، ولكنني أعرفه شهما غيورا، فلما وقع في الأسر أحضروه إلي في مجلس البطريق، وكنت حاضرا، فعرفك وخاف أن تذيع أمره، فلما رأى منك الكتمان عد ذلك فضلا لك عليه، وود إنقاذك. وقد كنا أمس عنده في المعسكر، فجاءه مرقس بعد نصف الليل، فسأله هو عنك وعن معقلك حتى يحميه، فأخبره، وجئنا في هذا الصباح معه كما رأيت.»

فقال أركاديوس: «وأين سيدك يحيى؟» قال: «مختبئ في مأمن.»

فقال أركاديوس في نفسه: «هذا هو الفساد وهذه هي الفوضى، وكيف يفوز قوم في حرب وقوادهم منقسمون، وعلماؤهم ناقمون؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.» وعاد إليه رأيه في معاشرة المقوقس. ولكنه أصبح أكثر اتساعا. •••

وبعد بضع ساعات عاد عمرو ومرقس، فقال عمرو لأركاديوس: «إذا شئت الخروج إلى أهلك فإننا مشيعوك إلى حيث تشاء.» فعجب أركاديوس لعلم عمرو بعلاقته بأرمانوسة، ولحظ عمرو ذلك فقال: «لا تعجب، فقد علمت خبرك مع أرمانوسة، ويسرني أن أراكما الآن في وئام، ولا تظلم حماك المقوقس؛ فإنه معذور، وإذا أردت الخروج إلى عروسك فذلك إليك.»

فسأل أركاديوس زيادا: «هل تعرف مقر يحيى النحوي؟» قال: «نعم.» فركبا وسارا، فلما أطلا على مريوط، وأشرفا على بيت الشيخ حيث تقيم أرمانوسة خفق قلب أركاديوس، فلقيهم مرقس فجرى ليبشر أرمانوسة، ولما دخل أركاديوس القاعة لقي فيها جمهورا من الرجال، وفي صدرها يحيى النحوي، وبجانبه المقوقس، فلما رآهما اضطرب وتردد، فنهض يحيى إليه وقبله وأمسكه بيده وقدمه إلى المقوقس، فوقف المقوقس وضم أركاديوس إلى صدره وقبله قبلة الأب لابنه، فخجل أركاديوس وشعر بزوال حقده على حميه، وهم به فقبل يده وجلس إلى يمينه ويحيى بين أيديهما.

نامعلوم صفحہ