وفتح فمه بعدها مرة، ومرة، ومرات ليبصق الدم.
وأصبح الجرح الذي في جانبه أوسع من فمه، وما يجئ منه أغزر.
ثم راح في غيبوبة.
ورحنا في صمت.
وتلفت حولي لأجد الحجرة قد وقف ما فيها من هواء، ومصابيح النور حولها دوائر لها ألوان، والجدران تردد حشرجة أنفاس تتباعد وتطول، والوقت أبطأ من بطئه حتى لكأن بين الثانية والثانية عام، وزميلي يكاد يقف على أطراف أصابعه، وقد أمسك بالسرير وسمر عينيه على زجاجة الدم، والممرضة راحت عيناها تعدو بين الفم الذي أصبح كالجرح، والجرح الذي أصبح كالفم، والتومرجي قد أمسك بمفتاح أسطوانة الأكسجين واستمات عليه.
كنا جميعا نتحفز ونستعد، كنا نحس بشيء غامض مخيف يحوم حولنا. وكانت قلوبنا وسواعدنا وعقولنا متشابكة متلاحمة تحاصر رجلنا، وتمنع عنه الحائم المخيف.
وتباعدت الثواني، وضاقت الحجرة، حتى ما عدنا نستطيع التنفس.
واندفعنا نحوه كما نقذف بأنفسنا في خضم البحر لانتشال غريق، وتصببنا مياها ونحن ندفع الهواء إلى رئتيه، ونخترق صدره بإبرة طويلة، حتى تصل إلى قلبه، فيحركه العقار، وننفخ في الزجاجة ليذهب الدم جميعه مرة واحدة إلى عروقه، ونفتح أسطوانة الأكسيجين على آخرها؛ ليعلو صدره.
وحاربنا عدوا قويا لا نراه.
كنا نكز على أسناننا، ونبذل طاقاتنا كلها، ونحس أننا نستطيع دك الجبل، وهز السماء وأرجاف الأرض.
نامعلوم صفحہ