وقد تجد المسألة عن التغيير العارض للنفس لتعلم إن كانت جميع التغايير والآفات المغيرة لها شائعة بينها وبين ما هو لها، أم منها ما هو خاص للنفس؟ فنحن مضطرون إلى علم هذا، وإن لم يكن بسهل. وأكثر هذا التغيير لايظهر من النفس 〈أنها〉 فعلت أم ألمت بدون الجسد: مثل ما نرى من الغضب والشهوة، وبالجملة لا يكون الادراك بالحس بدون الجسم. كذلك الادراك بالعقل فانه يشبه أن يكون خاصا بالنفس، إن كان عرض بضرب من ضروب التوهم أم لم يكن بغير توهم، فليس يمكن أن يكون دون الجسد. — فان كان فعل من أفعال النفس خاص هو أو من التغير العارض لها، فيعنى الامكان أن تكون مباينة للجسم؛ وإن لم يكن شىء خاص لها، فليس بمباينة، بل هى بمنزلة الشىء المستقيم الذى تعرض له أشياء كثيرة منها أن يماس كرة الصفر على نقطة: وما كان على حد مباينة فليس بماس، والاستقامة نفسها فليست بمباينة الجرم لأنها أبدا معه. وكذلك يشبه ألا يكون جميع تغيير النفس إلا مع الجرم: كمثل الغضب والهمود والفزع والرحمة والشجاعة والفرح والبغضة والمودة؛ فان البدن قد يتغير بعض التغيير إذا عرضت له هذه الآفات. والدليل على ذلك أنه ربما عرضت لنا أعراض ظاهرة وقوية لم نجزع من أجلها ولم نغضب، ثم يصيبنا ذلك على صغير الأعراض وخفيها إذا كان الجسد هائجا كالذى يكون فى موضع الغضب الصحيح. وهذا أكثر ما يتأتى عند تخوفنا بغير عارض مخيف. إذا كان هذا هكذا، فقد ثبت أن التغيير العارض للنفس إنما هو تضليل فى الهيولى. — ومن أجل ذلك وجب أن تكون الحدود ملائمة لتلك العوارض فى معانيها وعللها: كقول القائل إن الغضب حركة من حركات الكل أو كذا ولجزء من الأجزاء أو لقوة من القوى كانت عن كذا من أجل كذا. — ولذلك لا يليق النظر فى النفس الكلية أو الجزئية إلا بمن كان بحاثا عن الطبيعة 〈سواء كان النظر متعلقا بالنفس كلها أو بالنفس كما نصفها〉. والذى يصوب عليه تحديد الطبيعى غير ما يحده صاحب الجدل والبلاغة، لأن أحدهما يزعم أن الغضب شهوة الانتصار أو ما أشبه ذلك، والآخر يحد الغضب بأنه غليان الحرارة أو غليان دم القلب المحيط به. فأحد هذين إنما قال بالهيولى، والآخر قال بالصورة والمعنى: فأحدهما يقول قوله من معنى، والآخر يقول من نفس الشىء: وما كان كذلك 〈كان〉 بالاضطرار أنه فى هيولى لها حال من الأحوال. وكذلك يحد أحدهما المنزل فيقول: إنه سترة مانعة من أضرار الرياح والأمطار والحر والبرد. والآخر يحد المنزل فيقول بأنه تأليف من صخور ولبن وخشب؛ وهنالك حد آخر يقال بالصورة وما من أجله كانت الصورة. فمن 〈من〉 هؤلاء العالم بالأشياء الطبيعية؟ القائل بالهيولى، وهو جاهل بمعنى الكيفية وحده، أو القائل بمعنى الكيفية وحده؟ والجامع للأمرين جدير أن يكون أعلم بالأشياء الطبيعية. وأما المتقدمون فليس منهم أحد يدخل فى حده الأعراض المغيرة للهيولى لا الزائلة منها ولا اللازمة الثابتة، ما خلا حد الطبيعى فانه يأتى على جميع ما هو للجرم بما فيه من الكيفية وبما للهيولى من الأفعال والأعراض. وما لم يكن بهذه الحال من الجلوة فهو حد مثل صاحب الصناعة: طبيبا كان أو نجارا، فانه لا يضع حده أحدا من الأجزاء. والرجل العلومى يحد الشىء بتوهم رفع أعراضه عنه التى هى لجرمه، والفيلسوف الأكبر يحد الشىء بمباينة الهيولى وتعريته إياه منها.
ولكن لنرجع إلى مخرج كلامنا أولا: فقد قلنا إن التغيير العارض للنفس والآفات التى تغيرها ليست بمفارقة طينة الحيوان الطبيعية؛ والتغيير هو بالغضب والفزع وما أشبه ذلك وليس حال هذا التغيير من النفس بحال الخط والسطح من الجرم.
[chapter 2: I 2] 〈مذاهب الناس فى النفس〉
فاذا نظرنا وفكرنا فى أمر النفس فواجب أن نحصر آراء القدماء وما رأوا فيها مع الفحص عما تجب المسألة فيه والاستعانة بمن قال فيها قولا قاطعا، فنكون قد أخذنا جيد ما قيل حقا فيها، واستدفعنا ما قيل على خلاف ذلك.
صفحہ 7