[chapter 1] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أرسطوطالس «پارى أرمينياس» أى «فى العبارة»
〈القول والفكر والشىء. — الحق والباطل〉
صفحہ 59
قال: ينبغى أن نضع أولا ما الاسم وما الكلمة؛ ثم نضع بعد ذلك ما الإيجاب وما السلب، وما الحكم وما القول. — فنقول: إن ما يخرج بالصوت دال على الآثار التى فى النفس؛ وما يكتب دال على ما يخرج بالصوت. وكما أن الكتاب ليس هو واحدا بعينه للجميع، كذلك ليس ما يخرج بالصوت واحدا بعينه لهم. إلا أن الأشياء التى ما يخرج بالصوت دال عليها أولا — وهى آثار النفس — واحدة بعينها للجميع؛ والأشياء التى آثار النفس أمثلة لها، وهى المعانى، توجد أيضا واحدة للجميع. لكن هذا المعنى من حق صناعة غير هذه. وقد تكلمنا فيه فى كتابنا «فى النفس». — وكما أن فى النفس ربما كان الشىء معقولا من غير صدق ولا كذب، وربما كان الشىء معقولا قد لزمه ضرورة أحد هذين الأمرين، كذلك الأمر فيما يخرج بالصوت: فإن الصدق والكذب إنما هى فى التركيب والتفصيل. فالأسماء والكلم أنفسها تشبه المعقول من غير تركيب ولا تفصيل: مثال ذلك قولنا: إنسان أو بياض، متى لم يستثن معه بشىء، فإنه ليس هو بعد حقا ولا باطلا، إلا أنه دال على المشار إليه به؛ فإن قولنا أيضا عنز — أيل قد يدل على معنى ما، لكنه ليس هو بعد حقا ولا كذبا ما لم يستثن معه بوجود أو غير وجود مطلقا، أو فى زمان.
[chapter 2] فى الاسم 〈الأسماء البسيطة والمركبة. الأحوال〉.
فالاسم هو لفظة دالة بتواطؤ، مجردة من الزمان، وليس واحد من أجزائها دالا على انفراده. وذلك أن قلپس إذا أفرد منه «اپس» لم يدل بانفراده على شىء كما يدل فى قولك «قالوس اپس»، أى: فرس فاره. — وليست الحال أيضا فى الأسماء المركبة كالحال فى الأسماء البسيطة، وذلك أن الجزء من الاسم البسيط ليس يدل على شىء أصلا، وأما الاسم المركب فمن شأن الجزء منه أن يدل على شىء، لكن ليس على الانفراد، مثل قولك: «فيلوسوفس»، أى مؤثر الحكمة. — فأما قولنا : «بتواطؤ» فمن قبل أنه ليس من الأسماء اسم بالطبع إلا إذا صار دليلا، فإن الأصوات أيضا التى لا تكتب بحدها فتدل، مثل أصوات البهائم، إلا أنه ليس شىء منها اسما.
صفحہ 60
وأما قولنا «لا — إنسان» فليس باسم؛ ولا وضع له أيضا اسم ينبغى أن يسمى به، وذلك أنه ليس بقول ولا 〈قضية〉 سالبة، فليكن اسما غير محصل. — فأما الاسم إذا نصب أو خفض أو غير تغييرا مما أشبه ذلك، فليس يكون اسما، لكن تصريفا من تصاريف الاسم. وحد الأسماء المصرفة هو ذلك الحد الذى للأسماء إذا لم تصرف — بعينه، إلا أن الفرق بين تلك وبين هذه أنه إذا أضيف إلى الأسماء المصرفة — كان، أو يكون، أو هو الآن — لم تصدق ولم تكذب. والاسم إذا أضيف إليه واحد من هذه كان أبدا صادقا أو كاذبا؛ ومثال ذلك «فلان» بالخفض كان أو لم يكن: فإن هذا القول ليس هو بعد صادقا ولا كاذبا.
[chapter 3] فى الكلمة
صفحہ 61
وأما الكلمة فهى ما يدل — مع ما تدل عليه — على زمان، وليس واحد من أجزائه يدل على انفراده، وهى أبدا دليل ما يقال على غيرها — ومعنى قولى أنه [تدل] مع ما تدل عليه تدل على زمان هذا المعنى الذى أنا واصفه: أما قولنا «صحة» فاسم، وأما قولنا «صح» إذا عنينا الآن فكلمة، وذلك أن هذه اللفظة تدل مع ما تدل عليه على أن الصحة قد وجدت للذى قيل فيه إنه «صح» فى الزمان الحاضر. — والكلمة دائما دليل ما يقال على غيره، كأنك قلت ما يقال على الموضوع أو ما يقال فى الموضوع.
وأما قولنا «لا صح»، أو قولنا «لا مرض» فلست أسميه كلمة، فإنه وإن كان يدل، مع ما يدل عليه، على زمان فكان أيضا 〈دالا〉 دائما على شىء، إلا أنه ليس لهذا الصنف اسم موضوع. فلتسم كلمة غير محصلة، وذلك أنها تقال على شىء من الأشياء موجودا كان أو غير موجود على مثال واحد. — وعلى هذا المثال قولنا «صح» الذى يدل به على زمان المضى، أو «يصح » الذى يدل به على الزمان المستأنف، ليس بكلمة، لكن تصريف من تصاريف الكلمة. والفرق بين هذين وبين الكلمة أن الكلمة تدل على الزمان الحاضر، وهذين وما أشبههما تدل على الزمان الذى حوله.
وأقول إن الكلم إذا قيلت على انفرادها فهى تجرى مجرى الأسماء فتدل على شىء، وذلك أن القائل لها يقف بذهنه عليه؛ وإذا سمعه منه السامع قنع به. إلا أنها لا تدل بعد على أن الشىء 〈هو〉 أو ليس هو، فإنه ولا لو قلنا «كان» أو «يكون» دللنا على المعنى. وكذلك قولنا «لم يكن» أو «لا يكون»؛ فلا لو قلنا «إنه» مجردا على حياله، دللنا عليه، وذلك أنه فى نفسه ليس هو شيئا، لكنه يدل مع ما يدل عليه على تركيب ما؛ وهذا التركيب لا سبيل إلى فهمه دون الأشياء المتركبة.
صفحہ 62
[chapter 4] فى القول
وأما القول فهو لفظ دال، الواحد من أجزائه قد يدل على انفراده على طريق أنه لفظة، لا على طريق أنه إيجاب. وأعنى بذلك أن قولى «إنسان» مثلا قد يدل على شىء، لكنه ليس يدل على أنه موجود أو غير موجود، لكنه يصير إيجابا أو سلبا إن أضيف إليه شىء آخر. فأما المقطع الواحد من مقاطع الاسم فليس يدل، لكنه حينئذ صوت فقط. وأما فى الأسماء المضعفة فقد يدل المقطع من مقاطعها دلالة ليست بذاته، — على ما تقدم من قولنا.
وكل قول فدال، لا على طريق الآلة، لكن كما قلنا على طريق المواطأة. وليس كل قول بجازم، وإنما الجازم القول الذى وجد فيه الصدق أو الكذب؛ وليس ذلك بموجود فى الأقاويل كلها. ومثال ذلك: الدعاء، فإنه قول ما، لكنه ليس بصادق ولا كاذب. — فأما سائر الأقاويل غير ما قصدنا له منها فنحن تاركوها، اذ كان النظر فيها أولى بالنظر فى الخطب أو الشعر. وأما القول الجازم فهو قصدنا فى هذا النظر.
صفحہ 63
[chapter 5] 〈القضايا البسيطة والقضايا المركبة〉
فأقول إن القول الواحد الأول الجازم هو الإيجاب؛ ثم من بعده السلب. وأما سائر الأقاويل كلها فإنما تصير واحدا برباط يربطها.
وقد يجب ضرورة فى كل قول جازم أن يكون جازما عن كلمة أو عن تصريف من تصاريف كلمة. وذلك أن قول الإنسان ما لم يستثن معه أنه الآن، أو كان، أو يكون، أو شىء من نظائر هذه فليس هو بعد جازما. وإنما صار قولنا: حى مشاء ذو رجلين، واحدا لا كثيرا لأنه يدل على واحد، لا من قبل أنه قيل على تقارب بعضه على أثر بعض. إلا أن هذا المعنى من غير ما قصدنا له.
فالقول الجازم يكون واحدا متى كان دالا على واحد أو كان بالرباط واحدا؛ ويكون كثيرا متى كان دالا على كثير، لا على واحد، ولم يكن مرتبطا — فيحصل الآن أن كل واحد من الاسم والكلمة لفظة فقط إذ كان ليس لقائل أن يقول إنه يدل فى لفظ على شىء يحكم به: إما فى جواب سائل، وإما فى غير ذلك مما يبتدؤه من تلقاء نفسه.
صفحہ 64
وأما الحكم البسيط الكائن من هذه فبمنزلة إيقاع شىء على شىء، أو انتزاع شىء من شىء. والمؤلف من هذه فبمنزلة القول الذى قد صار مركبا. والحكم البسيط لفظ دال على أن الشىء موجود أو غير موجود على حسب قسمة الأزمان.
[chapter 6] فى الإيجاب والسلب 〈؛ تقابلهما〉
وأما الإيجاب فإنه الحكم بشىء على شىء؛ والسلب هو الحكم بنفى شىء عن شىء. — وإذ كان قد يمكن أن يحكم على ما هو موجود الآن بأنه ليس بموجود، وعلى ما ليس بموجود بأنه موجود، وعلى ما هو موجود بأنه موجود، وعلى ما ليس بموجود بأنه ليس بموجود، وفى الأزمان أيضا الخارجة 〈عن〉 الزمان الذى هو الآن، قد يمكن مثل ذلك — فقد يمكن فى كل ما أوجبه موجب أن يسلب، وفى كل ما سلبه أن يوجب. فمن البين إذا أن لكل إيجاب سلبا قبالته، ولكل سلب إيجابا قبالته. — فليكن التناقض هو هذا: أعنى إيجابا وسلبا متقابلين. وأعنى بالمتقابل أن يقابل الواحد بعينه فى المعنى الواحد بعينه، ليس على طريق الاتفاق فى الاسم، وسائر ما أشبه ذلك مما استثنيناه كلما لمطاعن المغالطين.
صفحہ 65
[chapter 7] 〈الكلى والجزئى — تقابل القضايا: بالتناقض والتضاد〉
ولما كانت المعانى بعضها كليا وبعضها جزئيا، وأعنى بقولى «كليا» ما من شأنه أن يحمل على أكثر من واحد، وأعنى بقولى «جزئيا» ما ليس ذلك من شأنه: ومثال ذلك أن قولنا «إنسان» من المعانى الكلية ، وقولى «زيد» من الجزئيات — فواجب ضرورة متى حكمنا بوجود أو غير وجود أن يكون ذلك أحيانا لمعنى من المعانى الكلية، وأحيانا لمعنى من المعانى الجزئية.
صفحہ 66
متى كان الحكم كليا على كلى بأن له شيئا موجودا أو غير موجود، كان الحكمان متضادين. وأعنى بقولى حكما كليا على معنى كلى مثل قولك: «كل إنسان أبيض» وقولك: «ولا إنسان واحدا أبيض». — ومتى كان الحكم على معنى كلى ولم يكن هو كليا لم يكن الحكمان فى أنفسهما متضادين، غير أن المعنيين اللذين يستدل عليهما بهما قد يمكن أحيانا أن يكونا متضادين. وأعنى بقولى: «الحكم غير الكلى على المعنى الكلى» مثل قولك: «الإنسان هو أبيض»، «الإنسان ليس هو أبيض». فإن قولنا «إنسان»، وإن كان كليا، غير أن الحكم عليه لم يستعمل كليا. وذلك أن: «كل» تدل على أن الحكم كلى، لا المعنى متى كان كليا. — وأما فى المحمول فإن حمل الكلى كليا ليس بحق، وذلك أنه ليس يكون إيجابا 〈حقا ذلك الذى يحمل فيه الكلى على محمول كلى〉: مثال ذلك قولك: كل إنسان هو كل حيوان.
فأقول الآن إن الإيجاب والسلب يكونان متقابلين على طريق «التناقض» متى كان يدل فى الشىء الواحد بعينه أن الكلى ليس بكلى.
ومثال ذلك:
كل إنسان أبيض. — ليس كل إنسان أبيض.
ولا إنسان واحدا أبيض. — قد يكون إنسان واحد أبيض.
ويكونان متقابلين على طريق «التضاد» متى كان فيهما الإيجاب الكلى والسلب الكلى. ومثال ذلك:
كل إنسان أبيض. — ولا إنسان واحدا أبيض.
〈كل إنسان عادل. — لا إنسان عادل〉.
صفحہ 67
ومن قبل ذلك صارت هاتان لا يمكن أن تكونا معا صادقتين. فأما المقابلتان لهما فقد يمكن ذلك فيهما فى المعنى الواحد بعينه: مثل قولك، «ليس كل إنسان أبيض» و«قد يكون إنسان واحد أبيض». — فما كان من المناقضات الكلية كليا فواجب ضرورة أن يكون أحد الحكمين من كل مناقضة منها صادقا، والآخر كاذبا. وكذلك ما كان منها فى الأشخاص: ومثال ذلك «زيد أبيض»، «ليس زيد أبيض». — وما كان منها فى معان كلية وليس بكلى فليس أبدا يكون أحد الحكمين من المناقضة صادقا والآخر كاذبا. وذلك أنه قد يمكن أن نقول قولا صادقا معا إن «الإنسان أبيض» و«ليس الإنسان أبيض»، وإن «الإنسان جميل» و«ليس الإنسان جميلا». وذلك أن ما صار قبيحا فليس بجميل؛ وما كان متكونا فليس بموجود. وقد يسبق إلى الظن على ظاهر النظر أن هذا خلف، من قبل أنه قد يظهر أن قولنا ليس الإنسان أبيض يدل معا على هذا القول أيضا وهو: ولا إنسان واحدا أبيض. فليس ما يدل عليه هذا هو ما يدل عليه ذاك، ولا هما ضرورة معا.
صفحہ 68
ومن البين أن السلب الواحد إنما يكون لإيجاب واحد، وذلك أن السلب إنما يجب أن يسلب ذلك الشىء بعينه الذى أوجبه الإيجاب، ومن شىء واحد بعينه: من المعانى الجزئية كان أو من المعانى الكلية، وكليا كان أو جزئيا، وأعنى بذلك ما أنا ممثله: «زيد أبيض»، «ليس زيد أبيض». فأما إن كان الشىء مختلفا أو كان واحدا بعينه إلا أنه من شىء مختلف لم يكن مقابلا، لكنه يكون لدال آخر غيره. والمقابل لقولنا: «كل إنسان أبيض»، «ليس كل إنسان أبيض»، ولقولنا : «إنسان ما أبيض» و«لا إنسان واحدا أبيض»؛ ولقولنا: «الإنسان هو أبيض»، «الإنسان ليس هو أبيض».
فقد حصل من قولنا: أن الإيجاب الواحد إنما يكون مقابلا على جهة المناقضة لسلب واحد، وذكرنا ما هما؛ وأن المتضادين غيرهما؛ وأنه ليس كل مناقضة فهى صادقة أو كاذبة، ومن قبل أى شىء، ومتى تكون صادقة أو كاذبة.
[chapter 8] 〈وحدة القضايا وتعددها — القضايا المشتركة وتقابلها〉
صفحہ 69
والإيجاب أو السلب يكون واحدا متى دل لشىء واحد على شىء واحد: إما كلى على معنى كلى، وإما لا على مثال واحد؛ مثل ذلك: «كل إنسان أبيض »، «ليس كل إنسان أبيض»؛ «الإنسان هو أبيض»، «الإنسان ليس هو أبيض»؛ و«لا إنسان واحدا أبيض»، «قد يكون إنسان ما أبيض» — هذا إن كان قولنا «أبيض» إنما يدل على معنى واحد. فإما إن كان قد وضع لمعنيين اسم واحد فمن قبل المعنيين اللذين لهما صار ليس بواحد لا يكون الإيجاب واحدا، مثل ذلك أنه إن وضع واضع للفرس والإنسان اسما واحدا كقولك: «ثوب» مثلا، فإن قوله حينئذ إن «الثوب أبيض» لا يكون إيجابا واحدا ولا سلبا واحدا. وذلك أنه لا فرق حينئذ بين هذا القول وبين قوله: «الفرس والإنسان أبيض». ولا فرق بين هذا القول وبين قوله: «الفرس أبيض» «والإنسان أبيض». وإذ كان هذان يدلان على أكثر من واحد، وكانا أكثر من واحد، فمن البين أن القول الأول أيضا إما أن يكون كثيرا ، وإما ألا يكون يدل على شىء. وذلك أنه ليس إنسان من الناس فرسا. فواجب ألا يكون فى مثل ذلك أيضا أحد ما فى المناقضة صادقا والآخر كاذبا.
[chapter 9] 〈تقابل المستقبلات الممكنة〉
ونقول إن المعانى الموجودة الآن أو التى قد كانت فيما مضى فواجب ضرورة أن يكون الإيجاب أو السلب فيها إما صادقا وإما كاذبا. أما فى الكلية على معنى كلى فأحدهما أبدا صادق، والآخر كاذب. وكذلك فى الأشخاص على ما قلنا. وأما الكلية التى لا تقال على معنى كلى فليس ذلك واجبا فيها. وقد قلنا فى هذه أيضا.
صفحہ 70
فأما المعانى الجزئية المستقبلة فليس يجرى الأمر فيها على هذا المثال. وذلك أنه إن كان كل إيجاب أو سلب إما صادقا وإما كاذبا، فواجب فى كل شىء أن يكون موجودا أو غير موجود. فإن قال قائل فى شىء من الأشياء إنه سيكون، وقال آخر فيه بعينه: لا، فمن البين أنه يجب ضرورة أن يصدق أحدهما إن كان كل إيجاب فصادق أو كاذب؛ وذلك أنه لا يمكن أن يكون الأمران جميعا فى ذلك وما أشبهه: فإن قولنا فى شىء إنه أبيض أو غير أبيض إن 〈كان〉 صادقا فواجب ضرورة أن يكون هو أبيض أو غير أبيض. وإن كان الشىء إما أبيض وإما غير أبيض فقد كان إيجابنا أو سلبنا فيه صدقا؛ وإن لم يكن فكذبا. وإن كان كذبا فليس هو؛ فواجب إذا ضرورة أن يكون الإيجاب أو السلب إما صادقا وإما كاذبا.
فليس شىء من الأشياء إذا مما يتكون أو مما هو موجود يكون بالاتفاق أو بأحد الأمرين اللذين لا يخلو شئ منهما أيهما كان؛ ولا شىء من الأشياء مزمع بأن يكون أو لا يكون على هذه الجهة، بل الأمور كلها ضرورية. وليس يكون شىء منها على أى الأمرين اتفق، وذلك أن الموجب يصدق فيها أو السالب. ولو لم تكن كذلك لكان كونها وغير كونها على مثال واحد. وذلك أن الشىء الذى يقال فيه إنه يكون على أى الأمرين اتفق، فليس هو بأحد الأمرين أولى منه بالآخر، ولا يصير كذلك.
صفحہ 71
وأيضا إن كان شىء من الأشياء أبيض فى الوقت الحاضر، فقد كان القول فيه من قبل بأنه «سيصير أبيض» صادقا، فيجب أن يكون القول فى شىء من الأشياء مما يتكون — أيها كان — بأنه سيكون قد كان دائما صادقا. وإن كان القول فى شىء بأنه فى هذا الوقت أو سيكون فيما بعد كان دابما حقا، فليس يمكن أن يكون هذا غير موجود ولا يصير موجودا. وما كان لا يمكن ألا يصير موجودا فمن المحال ألا يصير موجودا.والشىء الذى من المحال ألا يصير موجودا فواجب ضرورة أن يكون. فجميع الأشياء إذا المزمعة بالوجود فواجب ضروة أن تكون. فليس يكون إذا شىء من الأشياء على أى الأمرين اتفق ولا بالاتفاق، وذلك أنه إن كان شىء بالاتفاق فليس كونه واجبا ضرورة.
وأيضا فليس يجوز أن يقال إنه ليس ولا واحد من القولين حقا؛ كأنك قلت: القول بأن الشىء سيكون، والقول بأن الشىء ليس يكون — أما أولا فلأنه يلزم من ذلك أن يكون الإيجاب — وهو كذب — سلبه غير صادق، والسلب — وهو كذب — إيجابه غير صادق. ثم مع ذلك فإنه إن كان القول فى الشىء بأنه أبيض وبأنه أسود صادقا، فيجب أن يكون الشىء الأمرين جميعا. وإن كان القول فيه بأنه يصير كذلك فى غد صادقا، فواجب أن يصير كذلك فى غد. وإن كان القول فيه بأنه لا يصير كذلك وليس لا يصير كذلك فى غد حقا فليس هو على أى الأمرين اتفق. ومثال ذلك الحرب: فإنه يجب لا أن تكون حربا ولا ألا تكون.
صفحہ 72
فهذا ما يلزم من الأمور الشنعة وغيره مما أشبهه إن كان كل إيجاب وسلب — إما مما يقال كليا على معنى كلى، وإما مما يقال جزئيا — فواجب ضرورة أن يكون فيه أحد المتقابلين صادقا والآخر كاذبا، ولم يكن فيما يحدث ما يكون حدوثه على أى الأمرين اتفق، بل الأشياء جميعا وجودها وكونها واجب ضرورة. وعلى هذا القياس فليست بنا حاجة إلى أن نروى فى شىء ولا أن نستعد له أو نأخذ أهبة، كأنا إن فعلنا ما يجب كان ما يجب؛ وإن لم نفعل ما يجب لم يكن ما يجب. فإنه ليس مانع يمنع من أن يقول قائل فى شىء من الأشياء إنه يكون إلى عشرة ألف سنة مثلا، ويقول آخر إنه لا يكون، فيصح لا محالة أحد الأمرين اللذين كان القول حينئذ بأنه يكون صادقا. وأيضا فلا فرق فى هذا المعنى بين أن يقال المناقضة وبين ألا يقال، وذلك أنه من البين أن الأمور تجرى مجاريها وإن لم يوجب موجب شيئا منها ولم يسلبه آخر. وذلك أن الشىء ليس إنما يكون أو لا يكون، من قبل أنه قد أوجب أو قد سلب، ولا حكمه بعد عشرة ألف سنة غير حكمه بعد زمان آخركم كان مقداره. فإن كانت حاله فى الزمان كله حالا يصدق فيه معها أحد القولين دون الآخر فواجب ضرورة أن يكون ذلك الصدق حتى يكون كل واحد من الأشياء التى تكون حاله أبدا حال ما يكون ضرورة. وذلك أن ما كان القول فيه بأنه سيكون صادقا فى وقت من الأوقات فليس يمكن ألا يكون؛ وما يكون فقد كان القول فيه بأنه سيكون صادقا أبدا.
صفحہ 73
فإذ كانت هذه الأشياء محالا. (لأنا قد نرى أمورا يحدث مبدؤها من الروية فيها وأخذ الأهبة لها، وقد نجد بالجملة فى الأشياء التى ليست مما يفعل دائما الإمكان لفعل شىء وترك فعله على مثال واحد حتى يكون فيها الأمران جميعا ممكنين، أعنى أن يكون الشىء وألا يكون. وها هنا أشياء كثيرة بين من أمرها أنها بهذه الحال. ومثال ذلك أن هذا الثوب قد يمكن أن يتمزق فلا يتمزق، بل يسبقه إليه البلى، وعلى ذلك المثال قد يمكن ألا يتمزق، فإنه لم يكن البلى ليسبق التمزيق إليه لو لم يكن إلا يتمزق. وكذلك يجرى الأمر فى سائر ما يتكون مما يقال على هذا الضرب من القوة)، فظاهر إذا أنه ليس جميع الأشياء فوجودها أو كونها ضرورة، بل بعض الأشياء يجرى على أى الأمرين اتفق، وليس الإيجاب بأحرى من السلب بالصدق فيها؛ وبعضها أحد الأمرين دون الآخر أحرى فيها وأكثر، إلا أنه قد يمكن أن يكون الأمر الآخر ولا يكون ذلك.
صفحہ 74
فنقول الآن إن الوجود للشىء إذا كان موجودا ضرورى؛ وإذا لم يكن موجودا فنفى الوجود عنه ضرورى. وليس كل موجود فوجوده ضرورى، ولا كل ما ليس بموجود فعدم الوجود له ضرورى. وذلك أنه ليس قولنا إن وجود كل موجود فهو ضرورة إذا وجد، هو القول بأن وجوده ضرورة الإطلاق. وكذلك أيضا ما ليس بموجود. وهذا بعينه قولنا فى المناقضة أيضا. وذلك أن كل شىء فوجوده الآن أو غير وجوده واجب ضرورة؛ ووجوده فيما يستقبل أو غير وجوده واجب ضرورة. غير أنا إذا فصلنا فقلنا: أحد الأمرين لم يكن واجبا ضرورة، ومثال ذلك أن قولنا إن الحرب ستكون غدا أو لا تكون، واجب ضرورة. فأما قولنا إن الحرب ستكون غدا، فليس بواجب ضرورة. ولا قولنا إنها لا تكون غدا بواجب ضرورة. لكن الواجب ضرورة إنما هو أن يكون أو لا يكون. فيجب من ذلك إذ كانت الأقاويل الصادقة إنما تجرى على حسب ما عليه الأمور، فمن البين أن ما كان منها يجرى على أى الأمرين اتفق وتحتمل الضدين فواجب ضرورة أن تكون المناقضة أيضا تجرى فيه ذلك المجرى. وهذا شىء يلزم فيما ليس وجوده دائما أو فيما ليس فقده دائما. فإن ما جرى هذا المجرى فواجب ضرورة أن يكون أحد جزئى النقيض فيه صادقا أو كاذبا. غير أنه ليس هو أو أحد المشار إليه بعينه، بل أيهما اتفق. وربما كان أحد المتناقضين أحرى بالصدق، إلا أنه ليس ذلك بموجب أن يكون صادقا أو كاذبا. فقد بان بذلك أنه ليس كل إيجاب وسلب متقابلين فأحدهما صادق ضرورة والآخر كاذب ضرورة. وذلك أنه ليس مجرى الأمر فيما ليس بموجود إلا أنه ممكن أن يكون وألا يكون مجراه فيما هو موجود، بل الأمر يجرى فيه على ما وصفنا.
صفحہ 75
[chapter 10] 〈التقابل فى القضايا ذوات الموضوعات المحصلة وغير المحصلة〉
ولما كان الإيجاب دليلا على أن شيئا يقال على شىء، وهذا الشىء هو اسم أو ما لا اسم له، وكان يجب أن يكون ما يقال فى الإيجاب واحدا على واحد، وكنا قد وصفنا الاسم وما لا اسم له فيما تقدم، فقلنا إنا لا نسمى قولنا «لا إنسان» اسما، بل نسميه غير محصل، لأن الاسم غير المحصل أيضا إنما يدل من وجه على شىء واحد؛ وكذلك أيضا قولنا «لا صح» ليس بكلمة بل كلمة غير محصلة. فواجب أن يكون كل إيجاب أو سلب مؤلفا إما من اسم غير محصل أو كلمة غير محصلة.
وليس يكون إيجاب ولا سلب خلوا من كلمة؛ فإن قولنا «كان» أو «يكون» أو «سيكون» أو «يصير» أو غير ذلك مما أشبهه إنما هو مما قد وضع كلمة، وذلك أنه يدل، مع ما يدل عليه، على زمان.
فيكون على هذا القياس الإيجاب والسلب الأول قولنا «الإنسان يوجد»، «الإنسان لا يوجد»، ثم بعده «لا إنسان يوجد»، «لا إنسان لا يوجد»؛ وأيضا: «كل إنسان يوجد»، «ليس يوجد كل إنسان»، «كل لا إنسان يوجد»، «ليس يوجد كل لا إنسان». وهذا بعينه قولنا فى الأزمان التى حول الزمان الحاضر.
صفحہ 76
فأما إذا كانت الكلمة الدالة على الوجود ثالثا محمولا إلى ما يحمل، فإن التناقض حينئذ يقال على ضدين. ومثال ذلك قولنا: «يوجد إنسان عدلا»، فقولنا «يوجد» شىء ثالث مقرون بها فى هذا الإيجاب: إما اسم وإما كلمة، فيحصل من قبل ذلك أربعة: اثنان منها يكون حالهما فى المنزلة عند الإيجاب والسلب كحال العدميتين عندهما؛ والاثنان 〈الآخران〉 ليسا كذلك. وأعنى بقولى هذا أن قولنا «يوجد» إما أن يقرن ويضاف إلى قولنا «عدل» أو إلى قولنا «لا عدل»، وكذلك السلب أيضا، فيصير أربعة.
وأنت قادر على فهم ما نقوله من رسمنا هذا:
〈١〉
〈ا〉 〈ٮ〉
يوجد إنسان عدلا سلب هذا القول: ليس يوجد إنسان عدلا
〈ح〉 〈ء〉
يوجد إنسان لا عدلا سلب هذا القول: ليس يوجد إنسان لا عدلا
فإن قولنا فى هذا الموضوع «يوجد» و«لا يوجد» قد أضيف إلى قولنا «عدل» و«لا عدل». فهذه الأقاويل نسقت فى هذا الموضع على ما تقال عليه فى كتبنا «فى التحليل بالقياس».
صفحہ 77
وعلى ذلك المثال يجرى الأمر إن كان الإيجاب لاسم كلى. ومثال ذلك: 〈٢〉
〈ا〉 〈ٮ〉
كل إنسان يوجد عدلا سلب هذا القول: ليس كل إنسان يوجد عدلا
〈ح〉 〈ء〉
كل إنسان يوجد لا عدلا ليس كل إنسان يوجد لا عدلا
غير أنه ليس على ذلك المثال يمكن أن تصدق معا المقدمات التى على القطر؛ وإن كان قد يمكن أن تصدق المتقاطرتان فى حال من الأحوال.
فهاتان اثنتان متقابلتان. وها هنا اثنتان أخريان تحدثان من قولنا «لا إنسان» إذا جعلناه كالشىء الموضوع، فنقول:
〈٣〉
〈ا〉 〈ٮ〉
يوجد لا إنسان عدلا ليس يوجد لا إنسان عدلا
〈ح〉 〈ء〉
يوجد لا إنسان لا عدلا ليس يوجد لا إنسان لا عدلا
وليس ها هنا مناقضات أكثر من هذه. وهاتان المتقابلتان هما مفردتان بأنفسهما غير ما قيل من قبل، لأن الذى استعمل فيها اسم غير محصل وهو قولنا «لا إنسان».
صفحہ 78