وحب الدنيا يوجب النفور عن غيرها ، والاقبال على الملك الماديات يسبب الغفلة عن الملكوت عالم الغيب . وكذلك العكس فلو ان الانسان استاء من شيء وشعر ببشاعته ، استدعت صورة ذلك الشيء الكراهية والنفور ، وكلما كانت تلك الصورة في النفس اقوى كان النفور والانزجار اكثر .
فمثلا : اذا دخل شخص على بلد وابتلى بأسقام وآلام فيه وعانا من ورائه مشاكل داخلية وخارجية لكرهه وتنفر منه وكلما كانت معاناته اكثر كان هروبه ونفوره منه اكثر واذا وجد مدينة افضل منه لأقبل عليها وان لم يستطع التحرك نحوها ، لإشتاق اليها وتوجه قلبه نحوها .
فالانسان اذا عاش هموم الدنيا وآلامها واسقامها ومشاكلها وعنائها وشعر بأن امواج الفتن والمحن تزحف نحوه ، خف تعلقه بها اي الدنيا وقل ركونه اليها ونفر قلبه منها . واذا اعتقد بوجود عالم آخر ، وفضاء رحب فارغ من جميع انواع الشقاء والتعاسة ، ارتحل اليه . واذا لم يتمكن من السفر بجسمه لذهب بروحه وبعث بقلبه الى ذلك العالم .
وواضح جدا ان المفاسد الروحية والخلقية والسلوكية بأسرها تنجم عن حب الدنيا والغفلة عن الله سبحانه وعالم الآخرة ، وان حب الدنيا رأس كل خطيئة .
في حين ان الصلاح الروحي والخلقي والسلوكي ينبعث من التوجه نحو الحق ، ودار الكرامة عالم الآخرة ومن اللامبالاة بالدنيا وعدم الانبهار بزخارفها .
اذا ، علمنا من هذا التمهيد بأن لطف الحق تبارك وتعالى وعنايته كلما شملت لشخص اكثر ، ووسعته رحمة الذات المقدسة بصورة اوفى ، كلما ابعده سبحانه عن هذا العالم وزخرفه اكثر ، ودفع عنه امواج المحن والفتن اكثر ، حتى تنقلع رغبته في الدنيا وزركشتها ، ووجه وجهه حسب مستوى ايمانه الى عالم الآخرة وارتبطت روحه بذلك العالم .
وان لم تكن جدوى من احتمال شدائد المحن الا هذه الجهة الانزجار والاعراض عن الدنيا والاقبال نحو الآخرة لوحدها ، لكفى .
وفي الاحاديث الشريفة اشارة الى هذا المعنى :
محمد بن يعقوب باسناده عن ابي جعفر عليه السلام قال : «ان الله تعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل اهله بالهدية من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض» (1) .
ونقل هذا المعنى في حديث آخر . ولا يحسبن احد ان محبة الحق وشدة عناية ذاته الاقدس ، لبعض عباده جزاف ومن دون جهة والعياذ بالله بل كل خطوة يخطوها مؤمن وعبد الاربعون حديثا :232
صفحہ 231