آرام دمشق اور اسرائیل
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
اصناف
21
كما هو الحال في لقب «فرعون» في مصر، الذي استخدم تبادليا مع الاسم الحقيقي لملك مصر في أكثر من نص آشوري.
لقد كانت دمشق آخر من دفع الجزية في مناطق غربي الفرات، منذ أن بدأت الحملات الآشورية المنظمة على بلاد الشام. ويبدو أن حملة أدد نيراري الأخيرة على دمشق قد أضعفت قوة المملكة إلى حد كبير، وأفقدتها الكثير من هيبتها كمركز ثقل إقليمي في المنطقة. وكان أول المستفيدين من ضعف دمشق مملكة إسرائيل. فقد ولي عرش السامرة بعد يوآش - الذي أخضعه بنهدد قبل أن يتوجه إلى حاتريكا - ابنه يربعام الثاني (797-753ق.م.)، ويروي لنا سفر الملوك الثاني في نص مختصر، وبدون أية تفاصيل، خبرا عن حملة يربعام الثاني هذا على مملكة دمشق، التي لم تكن قد التقطت أنفاسها من الحملة الآشورية الساحقة. هذا مع العلم بأن نص سفر الملوك الثاني قد بقي حتى هذا الوقت من مطلع القرن الثامن قبل الميلاد، متجاهلا كل ما يحدث على الساحة السورية والفلسطينية من أحداث، وأن قارئ التوراة لم يعرف بعد بوجود مملكة اسمها آشور، ولا بحملات ملوك آشور على دمشق وعلى إسرائيل وبقية الدويلات الفينيقية والفلسطينية. يقول الخبر التوراتي ما يلي: «ملك يربعام بن يوآش ملك إسرائيل في السامرة إحدى وأربعين سنة. وعمل الشر في عيني الرب ... هو رد تخم إسرائيل من مدخل حماة إلى بحر العربة حسب كلام الرب إله إسرائيل ... وبقية أمور يربعام وكل ما عمل وجبروته - كيف حارب وكيف استرجع إلى إسرائيل دمشق وحماة، التي ليهوذا - أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل؟» (الملوك الثاني، 14: 23-28.)
وكما نرى من أسلوب صياغة الخبر التوراتي أعلاه، فإنه لا يقدم خبرا تاريخيا موثقا يمكن الركون إليه. فهو لا يذكر اسم ملك دمشق ولا اسم ملك حماة، ولا يورد أية تفاصيل عن الأوضاع العامة في هاتين المملكتين، ولا عن الأوضاع العامة في المنطقة. ويلفت النظر بشكل خاص قول النص إن يربعام استرجع إلى إسرائيل دمشق وحماة، التي ليهوذا! فمتى كانت دمشق وحماة تابعة ليهوذا، التي لم تذكر حتى الآن في السجلات الآشورية؟ هل يشير المحرر إلى حروب داود ومملكة سليمان؟ وفي الحقيقة، فلقد أدرك المؤرخون المبالغة الواضحة في نص سفر الملوك أعلاه، وأسقطه معظمهم من الحساب؛ ذلك أن مملكة حماة لم تكن في ذلك الوقت فريسة سهلة المنال، وكذلك مملكة دمشق رغم وضعها العسكري المتردي عقب حملة أدد نيراري. وقد لجأ بعض المؤرخين إلى إعادة قراءة النص اعتمادا على احتوائه لإشكاليات لغوية يمكن تأويلها. فعالم اللغات السامية
J. Gray (1970) يقرأ الجملة التي تقول بالعبرية: «وكيف حارب وكيف استرجع إلى إسرائيل دمشق وحماة، التي ليهوذا»، ويترجمها بعد تأويل إشكالياتها اللغوية على الشكل الآتي: «كيف حارب دمشق، وكيف رد غضب يهوه عن إسرائيل.»
22
ورغم أن كثيرا من الباحثين لا يجدون لهذه القراءة مستندا لغويا متينا، إلا أننا نجد في مثل هذه المحاولات ما يدعم وجهة نظرنا هنا بضعف المصداقية التاريخية لنص سفر الملوك الثاني (14: 23-28). ربما قام يربعام الثاني باستعادة بعض المواقع التي كانت دمشق قد استولت عليها في أيام أبيه يوآش، ولكنه لم يكن قادرا بالتأكيد على احتلال دمشق.
بعد عشرين سنة من حملة أدد نيراري الثالث شن الآشوريون حملة جديدة على دمشق، وذلك في عهد شلمنصر الرابع. وقد جرت هذه الحملة بقيادة عامل الآشوريين على مناطق الفرات المدعو شمسي إيلو. وكان شمسي إيلو يقيم في مدينة تل برسيب عاصمة بيت عديني السابقة، والتي كان شلمنصر الثالث قد غير اسمها إلى كار شلمنصر (أي: حصن شلمنصر) بعد أن ألحق مملكة بيت عديني بآشور نهائيا، ووضع عليها حاكما آشوريا يدير شئونها. وقد قام شمسي إيلو بعدد من الأعمال العمرانية في المدينة، ومنها قصره الكبير، الذي تم اكتشافه في الموقع وعلى بواباته أسود بازلتية ضخمة نقش عليها اسم شمسي إيلو.
23
وهذا يعني أنه كان يتصرف كملك آشوري غير متوج، وأن له مطلق الصلاحية في التصرف بشئون منطقة الفرات والخابور، والنيابة عن الملك في الحملات العسكرية التي يقرر البلاط شنها على مناطق بلاد الشام. ترك شمسي إيلو نصا منقوشا على نصب حجري يذكر فيه إنجازاته، ومنها حملته على بلاد إميريشو، وأخذه الجزية من ملكها المدعو حديانو. وقد اكتشف النص منذ سنوات قريبة وقرأه الباحث هوكنز عام 1982. أما عن تاريخ هذه الحملة فيرجح الباحثون أن تكون قد جرت حوالي عام 773ق.م.
نامعلوم صفحہ