آرام دمشق اور اسرائیل
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
اصناف
كانت المهمة الثانية التي وضعها بنهدد لقواته بعد إخضاع إسرائيل هي إخضاع مملكة حماة التي كانت تسلك نهجا مواليا لآشور. إن الحملات الآشورية على سوريا منذ عام 845ق.م. وصولا إلى عهد أدد نيراري لم تتعرض لمملكة حماة، الأمر الذي يدل على تابعيتها الآشورية خلال تلك الفترة. فصعد بنهدد على رأس حلف سوري يضم سبع ممالك معروفة بعدائها الشديد لآشور وخصوصا مملكة بيت جوشي، التي سنراها فيما بعد على رأس تحالف سوري في مواجهة القوات الآشورية، فقاتل ملك حماة المدعو زاكير وضرب عليه حصارا طويلا، بعد أن لجأ إلى مدينة حاتريكا الشمالية عاصمة مملكة لوعاش (نوخاشي سابقا) الواقعة بين حماة وحلب، والتي ضمها إليه زاكير مشكلا قوة لا يستهان بها في ذلك الوقت. ولحسن الحظ فقد وصلتنا معلومات مباشرة عن هذه الحرب في نص تركه الملك زاكير نفسه، منقوش بالآرامية على حجر عثر عليه في قرية آفس على مسافة 40كم إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب. ويرجح أن يكون موقع آفس هذا هو حاتريكا القديمة نفسها. نقرأ في نص زاكير ما يلي: «أنا زاكير، ملك حماة ولوعاش. كنت رجلا من العامة، ولكن الإله بعل شمين قد وقف إلى جانبي وجعلني ملكا على حاتريكا. بنهدد بن حزائيل ملك آرام جمع ضدي سبعة ملوك؛ بنهدد وجيشه، ملك غوروم وجيشه، ملك شمأل وجيشه، ملك كيليكيا وجيشه، برجوش وجيشه، ملك العمق وجيشه، ملك ميليز وجيشه. كل هؤلاء الملوك الذين جمعهم بنهدد وجيوشهم قد حاصروا حاتريكا. ولكن بعل شمين كلمني عبر العرافين والمتنبئين قائلا: لا تخف، فلقد جعلتك ملكا، ولسوف أقف إلى جانبك وأنقذك من كل هؤلاء الملوك الذين ضربوا حصارا حولك ...» (البقية مليئة بالفجوات، ولكننا نفهم منها أن الحلفاء قد فكوا حصارهم عن المدينة وتراجعوا عنها.)
18
نلاحظ من أسماء الممالك الداخلة في حلف دمشق الجديد أنها تقع جميعا في المناطق الشمالية بين الفرات والساحل السوري. وهذا يعني أن بنهدد قد بسط نفوذه على كامل مناطق الشمال السوري، إضافة إلى مناطق وسط وجنوب سوريا، وفلسطين، وأنه قد استطاع فعلا تعبئة كامل مناطق غربي الفرات في جبهة واحدة استعدادا للوقوف في وجه الملك الآشوري أدد نيراري الثالث، الذي ما لبثت جيوشه حتى ظهرت في المنطقة حوالي عام 798ق.م. أي بعد أربع سنوات من ارتقاء بنهدد عرش دمشق. أما عن النتيجة التي آل إليها حصار حاتريكا، فمن غير الممكن أن يكون زاكير قد انتصر على حلف دمشق، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد الممالك الحليفة وقوة جيوشها. ويكفي أن نذكر أن مملكة جوشي، التي يتزعمها برجوش، كانت أقوى الممالك الآرامية الشمالية، وكانت أراضيها تمتد من شاطئ الفرات إلى سهل العمق غربا، أما مملكة يأدي (أو شمأل) فكانت قوة لا يستهان بها وذات ثقل في ميزان القوى العسكرية في غربي الفرات. فإذا أضفنا إلى هاتين القوتين القوة الرئيسية لمملكة دمشق، التي أعيت الآلة الحربية الآشورية لنصف قرن مضى، لأدركنا استحالة هزيمة بنهدد عند أسوار حاتريكا. وهناك نتيجتان محتملتان لهذه الحرب؛ فإما أن الحلفاء قد تراجعوا عن حاتريكا بعد أن وصلتهم أخبار عن عبور أدد نيراري نهر الفرات، وإما أنهم قد توصلوا إلى اتفاق يضمن حياد زاكير في المعركة المقبلة.
يصل أدد نيراري الثالث إلى المنطقة في أول حملة لآشور على سوريا بعد موت شلمنصر الثالث. ولدينا نص مختصر عن هذه الحملة خال من أية تفاصيل، يقول: «... وعبر شاطئ الفرات أخضعت بلاد حاتي، وكل أراضي آمورو، وصور، وصيدون، وأرض عمري، وآدوم، وفيليستيا، إلى البحر الكبير حيث تغرب الشمس. جميعهم أخضعت تحت قدمي وفرضت عليهم الجزية. سرت نحو بلاد دمشق وحبست ملكها ماري (بنهدد) في دمشق مقره الملكي، فغمره الخوف من بهاء مولاي الإله آشور وأمسك قدمي خضوعا لي. فتلقيت منه الجزية في قصره الملكي؛ 2300 وزنة من الفضة، و20 وزنة من الذهب، و5000 وزنة من الحديد ...»
19
لم يتفق المؤرخون على تاريخ حملة أدد نيراري هذه، وذلك بسبب تشوش سجلات هذا الملك من الناحية الكرونولوجية، وعدم التوصل إلى ترتيب زمني متسق لحملاته. ولكن أغلب الظن أنها جرت حوالي عام 796ق.م.
20
إلا أن الدراسة المتأنية لنص هذه الحملة، على ضوء الأحداث التي سبقتها، يمكن أن تساعدنا على صياغة سيناريو منطقي لما يمكن أن يكون قد حدث بين أدد نيراري الثالث وملوك التحالف السوري. فمن المرجح، اعتمادا على أسلوب صياغة نص الحملة أعلاه، ألا يكون هذا النص خلاصة لنتائج حملة آشورية واحدة على بلاد الشام، بل خلاصة لعدة حملات متتابعة قام بها هذا الملك. ففي الحملة الأولى واجه أدد نيراري ملوك التحالف الذي حاصر حاتريكا وأجبرهم على التراجع، مستوليا على مناطق سوريا الشمالية المدعوة «حاتي» بمصطلح الألف الأول قبل الميلاد. وفي الحملة الثانية استولى على آمورو في وسط وغرب سوريا، ومنها هبط إلى الساحل الفينيقي نحو صور وصيدون. وربما تصدى له بنهدد قبل وصوله إلى آمورو منفردا أو على رأس تحالف الملوك الجنوبيين، الذين وقفوا إلى جانبه في حصار السامرة (مما مر معنا سابقا). وفي الحملة الثالثة توجه إلى فلسطين فاستولى على أرض عمري أو إسرائيل، وفيليستيا وآدوم، ومن هناك صعد إلى دمشق، التي تم عزلها عن حلفائها جميعهم، وأجبرها على دفع الجزية لآشور لأول مرة منذ قيام الأسرة الحاكمة الآرامية فيها.
وفي نص أدد نيراري نقطة هامة ينبغي ملاحظتها وفهم مدلولاتها. فالممالك الواردة في النص جميعها قد جرى تعدادها بأسمائها دون ذكر ملوكها أو شرح مجريات المعارك التي قادت إلى إخضاعها، عدا دمشق التي توقف النص عندها مطولا وأعطانا تفصيلات حول استسلامها والجزية التي دفعتها. وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الهدف الرئيسي لحملة، أو لحملات، أدد نيراري في مناطق غربي الفرات كان إخضاع مملكة دمشق، وأن الحملات الأولى على ممالك الشمال التي جملها النص تحت اسم حاتي، وممالك الوسط والجنوب، لم تكن إلا مقدمة ضرورية لضمان استسلام دمشق.
أما عن اسم ملك دمشق الذي ورد في نص أدد نيراري على أنه «ماري»، فمن المؤكد أنه يشير إلى بنهدد نفسه. وتفسير ذلك هو أن كلمة «ماري» بالآرامية تعني «مولاي»، وهي مشتقة من كلمة «مرا» التي تعني السيد. وكان لقب «ماري» أو «مري» يوضع قبل اسم ملوك دمشق في النصوص الآرامية. من ذلك على سبيل المثال ما وجد على عاجيات أرسلان طاش من كتابة تقول: «لمرنا حزائيل»، أي: لمولانا حزائيل، وذلك باستخدام كلمة «مرا» مع ضمير الإضافة. ويبدو أن لقب ملك دمشق في عصر بنهدد كان يستخدم تبادليا مع اسمه الشخصي، أو أنه طغى عليه في معظم الحالات،
نامعلوم صفحہ