آرام دمشق اور اسرائیل
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
اصناف
يجد أولبرايت في تفاصيل قصص الآباء بعض العادات الاجتماعية، والمسائل التشريعية، وبعض أسماء العلم، ونمطا من الحياة الاجتماعية، يمكن إرجاعها إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، نظرا لوجود ما يقابلها في ثقافة الشرق القديم خلال عصر البرونز الوسيط. من هنا، فإنه يعتقد أن دراسة هذه الجوانب الثقافية في عصر الآباء، ومقارنتها بمتوازياتها عند الثقافات المجاورة، سوف تمكن الباحث من رسم الإطار التاريخي العام لتقاليد سفر التكوين. ويعول أولبرايت بشكل خاص على نصوص مدينة نوزي الحورية في شمال وادي الرافدين، وهي نصوص غزيرة تعطي صورة عن طبيعة الحياة الاجتماعية في المنطقة خلال البرونز الوسيط. ورغم أن هذه النصوص تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، إلا أنها تعكس أحوالا اجتماعية أقدم من ذلك. يجد أولبرايت في نصوص نوزي بعض القواعد التشريعية، والعادات الاجتماعية المشابهة تماما لما نجده في روايات الآباء. من ذلك مثلا القاعدة التي تنص على تبني الرجل المقطوع النسل لولد يدير أملاكه في حياته، ويرثه بعد مماته، وهذا ما فعله إبراهيم بتبنيه لأليعازر الدمشقي. وكذلك الأمر فيما يتعلق بعادة تقديم الزوجة العاقر جارية لزوجها تنجب له أولادا، وهذا ما فعلته سارة لإبراهيم، وما فعلته أيضا راحيل ليعقوب.
6
وفيما يتعلق بأسماء العلم الواردة في سفر التكوين، وخصوصا أسماء الآباء ، فإن أولبرايت يرى أن لبعضها صلة بالأسماء الآمورية الواردة في الوثائق الكتابية التي تعود إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد ، مثل اسم إبراهيم واسم يعقوب اللذين تكررا في أكثر من وثيقة. أما الأسماء التي لم ترد في وثائق ذلك العصر، مثل إسحاق ويوسف، فيرى أنها منحوتة من نفس الذخيرة اللغوية الآمورية. وهذا ما يشير بقوة إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد كمسرح لأحداث سفر التكوين. ويدعم ذلك في اعتقاده أن مثل هذه الأسماء لم تتكرر في الأسفار التوراتية اللاحقة. وقد انتقل أولبرايت من هذا التحليل اللغوي إلى ربط تحركات الآباء بالتحركات العامة للآموريين، مما أعقب انهيار ثقافة البرونز المبكر وبداية ثقافة البرونز الوسيط. وهو يحدد عصر إبراهيم وإسحاق في الفترة من 2100 إلى 1900ق.م.، وعصر يعقوب في الفترة 1900 إلى 1800ق.م. غير أن تلامذة أولبرايت لم يوافقوا على هذا التحديد الدقيق، واكتفوا بالقول بأن عصر الآباء لا يمكن فهمه إلا من خلال وضعه في الإطار العام لمطلع الألف الثاني قبل الميلاد.
على أن أولبرايت نفسه عاد فربط الآباء بجماعات الخابيرو (وخصوصا في كتابه المتأخر: يهوه وآلهة كنعان، انظر الحاشية رقم 6) التي كانت تعيش على هامش المدن، وتضم أخلاطا شتى من الشرائح الاجتماعية الهامشية. فالخابيرو المعروفون في النصوص الرافدية منذ أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، والذين تدعوهم النصوص السورية الأحدث بالعابيرو، هم الذين نجم عنهم العبرانيون التوراتيون، الذين ابتدأت تحركاتهم مع إبراهيم العبراني القادم من أور الكلدان. وهو يقرن هنا بين وصف عابيرو في النصوص السورية ووصف عبريم في النصوص التوراتية، التي تعني عبري أو عبراني. ويركز أولبرايت بشكل خاص على جماعتين من الخابيرو معروفتين من وثائق مدينة ماري، هما «بنو يامينا» أي: بنو الجنوب أو أهل الجنوب، و«بنو شمأل» أي: بنو الشمال، ويرى في «بنو يامينا» أسلاف قبيلة بنيامين التوراتية، التي يعني اسمها بني الجنوب أيضا باللغة التوراتية. ثم يذهب أولبرايت أبعد من ذلك حين يربط بين خابيرو البرونز الوسيط وعابيرو البرونز الأخير في فلسطين، والذين نعرف عن تحركاتهم العسكرية، وتعدياتهم على دويلات المدن الفلسطينية من رسائل تل العمارنة المتبادلة بين البلاط المصري وملوك الدويلات السورية والفلسطينية، أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ثم يربط أولبرايت بين عابيرو البرونز الأخير هؤلاء في فلسطين وجماعات العبرانيين الذين خرجوا من مصر بقيادة موسى، واقتحموا كنعان بقيادة يشوع. فهؤلاء العائدون ليسوا إلا شريحة من عابيرو فلسطين، وعملياتهم العسكرية اللاحقة هي استمرار لتلك العمليات السابقة الموثقة في رسائل تل العمارنة.
لم تثبت أفكار أولبرايت طويلا أمام النقد، رغم تأثيرها الواسع على جيل كامل من الباحثين. ففيما يتعلق باعتماده على التشابه بين العادات والشرائع الموجودة في نصوص نوزي وتلك التي نجدها في سفر التكوين، من أجل وضع عصر الآباء في مطلع البرونز الوسيط، ونسبة أصلهم إلى بلاد الرافدين على ما ورد في النص التوراتي؛ فقد لاحظ النقاد، اعتمادا على نصوص جديدة لم تكن معروفة لأولبرايت وجماعته، أن ما ورد في نصوص نوزي لم يكن وقفا على عصر البرونز الوسيط، ولا على بلاد الرافدين في ذلك العصر. ففيما يتعلق بواجب المرأة العاقر تقديم جارية لزوجها تنجب له أولادا، فقد وردت هذه الممارسة في نصوص متأخرة تعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ومنها عقد زواج من مصر، وفي نصوص من القرن السابع قبل الميلاد، ومنها عقد زواج من آشور.
7
وفيما يتعلق بمقارنة أسماء الآباء بنظائرها من الأسماء الآمورية في عصر البرونز الوسيط، فقد لاحظ النقاد أيضا أن هذه الأسماء وأشباهها كانت شائعة الاستخدام في أنحاء الشرق القديم جميعه، وعلى فترات تتدرج من عصر البرونز المبكر إلى القرن الثالث قبل الميلاد. فالاسم أبرام موثق في أرشيف إيبلا الذي يعود إلى عام 2400ق.م. أي قبل 500 سنة من بداية عصر البرونز الوسيط، وقد ورد بصيغة أبرامو (أب - را - مو). إضافة إلى ورود أسماء علم أخرى ذكرت في التوراة، مثل آدم (أ - دا - مو)، وإسماعيل (أش - ما - إيل)، وإسرائيل (أش - را - إيل)، وميكائيل (مي - كا - إيل).
8
ويستمر ظهور الاسم إبراهيم على شكل أبرام أو أبيرام حتى نهاية عصر البرونز الأخير حوالي عام 1200ق.م. أما الأسماء إسحاق ويعقوب ويوسف فإنها تنتمي إلى زمرة آمورية من الأسماء واسعة الانتشار في أنحاء الشرق القديم جميعه خلال عصر البرونز الوسيط، كما أننا نجدها مستعملة في أوغاريت خلال عصر البرونز الأخير. وهناك من الأسماء القريبة إلى يعقوب بقي متداولا حتى القرن الثالث قبل الميلاد، حيث نجده في بعض النقوش التدمرية.
9
نامعلوم صفحہ