Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
ناشر
دار النهار للنشر بيروت
اصناف
عبارة عن تلك التي رسمها للحكام أصحاب النظريات السياسية المتأخرون لا المتقدمون. فالسلطان لم يفرض على الإمبراطورية حكمًا واحدًا، بل رتب مختلف الطبقات والعناصر فيها ونظمها بشكل يضمن لها العيش بسلام، ويسمح لكل منها بالإسهام كما ينبغي في استقرار المجموع وازدهاره.
كان الحكم قد وضع إطار النظام، بينما أقامت الشريعة جهاز الحقوق والواجبات. فكانت كل جماعة حرة، ضمن ذلك الإطار، أن تعيش وفقًا لمعتقداتها وعاداتها الخاصة بها. وما كانت الغاية، بالواقع، من القوانين الصادرة عن سلاطين العهد الذهبي (قانون نامه)، غير المحافظة على تلك العادات أو إحيائها عند الاقتضاء، وغير استبقائها ضمن حدود الشريعة.
لم تكن الإمبراطورية إذن جماعة واحدة بقدر ما كانت مجموعة من الجماعات، تفرض كل منها على أعضائها واجب الولاء المباشر لها. وكانت هذه الجماعات إقليمية أو دينية أو مهنية أو، إلى حد ما، خليطًا من الثلاث. غير أن الانقسام السياسي، وقد يجوز القول، الانقسام الكياني، في ما بينها، إنما كان انقسامًا بين العسكر والرعايا، أي انقسامًا بين الحكام والمحكومين، كما كان انقسامًا بين المسلم وغير المسلم. كانت الدولة، قبل كل شيء، دولة إسلامية سنية. وكان جميع المسلمين السنيين، دون سواهم، ينتمون انتماءً تامًا ومتساويًا إلى جسم الجماعة السياسي، وذلك بصرف النظر عن العرق أو اللغة. نعم، كانت هناك جماعات إسلامية أخرى، كالشيعة التي كانت تقطن ما هو الآن تركيا والعراق ولبنان واليمن. إلا أنه كان ينظر إليها شزرًا، نتيجة قرون طويلة من الحقد المذهبي، ونتيجة تجانسها الديني مع بلاد الفرس الشيعية. وقد كان السلطان العثماني، في حروبه مع شاه الفرس، يخشى أن يتحالف شيعة العراق القريبين جدًا من تخوم فارس مع هذه الدولة. أضف إلى ذلك أن شرعهم لم يكن معترفًا به. إلا أن إقامتهم في أماكن بعيدة
1 / 45