Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
ناشر
دار النهار للنشر بيروت
اصناف
قط، وإن ساوره شيء من الأسف، في أن الخلافة قد زالت من الوجود. فهو يقول إن الخلافة إنما تنال بالاستحقاق، أما السلطنة فبالقوة. وإذا كان للخليفة، فضلًا عن الاستحقاق، قوة وعصبية تدعمانه، كان له أن يحكم، وإلا وجب أن يحكم السلاطين والأمراء باسمه. والواقع أن الخلافة لم تستمر، بعد فتح المغول لبغداد، إلا بالاسم، ثم «احتل أصحاب السلطان الأرض واختفى اسم الخلافة». وقد أضاف الزابدي، بعد إيراد قول الغزالي «إن السلطة الآن إنما تتبع القوة»، بقوله: «والعصبية أيضًا»، منوهًا بأن الحال كانت هكذا حتى قبل زمن الغزالي، بل هكذا كانت منذ الأزل، وفقًا لما ذهب إليه ابن خلدون في «مقدمته». ثم تمثل الزابدي على ذلك بفوز معاوية على علي (٢).
ومع أن السلطان لم يكن خليفة، فإن الزابدي لم يلمح ولو تلميحًا إلى أنه ليس على المسلمين واجب الولاء والإخلاص الديني له. نعم، لم يكن حقه في الحكم متحدرًا بالتسلسل من خلافة الرسول، إلا أنه كان مرتكزًا إلى الحق الإلهي الذي يملكه أولئك الذين برهنوا عن شوكتهم الفعلية واستخدموها لرعاية مصالح الإسلام. فقد كان السلطان يدافع عن التخوم ضد النصارى والشيعة، ويحمي الأماكن المقدسة، وينظم الحج بعناية، ويجل الشريعة وحراسها، ويخضع في جميع أعماله وأحكامه خضوعًا مبدئيًا للشريعة. وكان المذهب الحنفي، من بين مذاهب الشرع الرئيسية الأربعة المقبولة، المذهب الوحيد المعترف به رسميًا من جانب الدولة. وكان المفتي الأكبر للمذهب الحنفي، شيخ الإسلام، رئيسًا للجهاز الديني، وكان له، بهذه الصفة، الحق في الاعتراض على أعمال الحكومة المخالفة للشرع. نعم، كان السلاطين، في الواقع، يسنون القوانين بالفرمانات، غير أن مجموعة قوانينهم كانت تعتبر، مبدئيًا، إما واقعة ضمن نطاق الشريعة أو سليمة في نظرها. وكان السلطان يصدرها، لا بحكم سلطته السياسية المستقلة، بل بحكم صلاحية
1 / 43