فتمكن من كرسيه وحدق إلي بغضب وقال: ماذا تعني؟
قلت: أعني أن كل هذه المساوئ فينا، ونحن نتهم بها الزمان ... مسكين الزمان، ما زال الزمان كما كان، وما زال أهله خيرا مما كانوا.
فقال: لا أوافق على هذا.
فقلت: توافق أو لا توافق، هذه حقيقة وعليك أن تعرفها، فلو ظلت المياه في مجاريها لكنت ترى الدنيا بألف خير. إن الذي ساءت حاله هو أنت، فخلت أن كل ما حولك قد ساء، فلو عدت إلى حضن إبراهيم لما قلت إن الناس في جحيم، فهذا النسيم الذي تصوره لنا أحاديثك ريحا سموما يستحيل في الحال بردا وسلاما، وتقول للناعقين كما تنعق أنت الآن: في فمكم التراب، سدوا بوزكم، كل ما في البلاد يكذبكم.
فأطرق صاحبي وأخذ يفتش في جعبته عن آخر سهم، ولما وجدها فارغة تحامل على نفسه وقام، وكأنه أبى أن يخرج من المعركة مغلوبا، فقال - وكان المطر قد انحبس: ما رأيك في هذا الطقس؟ هل مر مثله على البلاد؟
قلت: هذا كله من الاستقلال.
قال: يعني ...
قلت: وما معنى قولك يعني؟
قال: والأمراض التي لم نكن نسمع بها.
قلت: وهذي أيضا وصى عليها الاستقلال.
نامعلوم صفحہ