وحرك لسانه في فمه بشجاعة، لكنه لم يقل شيئا، فعجب لنفسه كيف لا يستطيع الكلام، وقد كان منذ دقائق يتحدث بطلاقة، ويجد ألف موضوع للحديث!
هل كان ذلك لأنه كان يتحدث إلى رجال؟
وفكر في الحديث كيف يبدأ مع امرأة، لا يعرف أي حديث تحب ... إنه يعرف أن الرجال جميعا يميلون لحديث السياسة، لكن المرأة؟! إن حديثها المحبب قد يكون الأزياء، وقد يكون السينما ... وقد لا تكون راغبة في الحديث بالمرة. لكنه استجمع أطراف شجاعته، وأوحى له عقله بهذا السؤال: من «بنها»؟ حضرتك من «بنها»؟
وكتم أنفاسه في انتظار اللحظة الرهيبة، وأوشك أن يغمض عينيه كي لا تفجعه نظراتها الغاضبة التي قد تحمل الازدراء.
لكن شيئا من ذلك لم يكن، وسرعان ما ترامى إلى أذنيه صوتها العذب كأنه موسيقى خفيفة يحمل الجواب: لأ، من «الإسكندرية».
وتهافت على الفرصة حتى لا تضيع: في «بنها»؟ في زيارة على ما أظن؟ - عند أبي.
ثم ماذا؟
إنه لا يستطيع أن يسأل السؤال التالي، إنه لا يستطيع أن يقول لها كيف يكون أبوك في بنها وأنت في الإسكندرية؛ إن أي سؤال بعد جوابها هذا يعتبر تدخلا لا ترضى عنه خلال معرفة لم تتم بعد. أيترك الفرصة تضيع هكذا؟ إن عليه أن يتكلم بأي ثمن، أي كلام، وقال دون وعي: لقد ولدت في «بنها»!
ولم يكد فمه يفرغ من النطق حتى أحس بسخف ما قال؛ فما الذي يعنيها من أمر ميلاده؟ وما الذي يعني أي إنسان غيرها؟ وتملكه الندم، وتمنى لو لم يقل ما قال من سخف، لقد كان يخشى أن تفلت من يده الفرصة، وها هو قد أضاعها بتسرعه!
وسرعان ما قطع عليه تفكيره النادم صوتها يرن في أذنيه قائلة: أنا أيضا ولدت في «بنها»!
نامعلوم صفحہ