بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتقدس بجلال ذاته عن تحديد أولي البصائر، المتنزه بكمال قدرته عن تقديره بالأشباه والنظائر.
والصلاة على سيدنا محمد الذي بشر به في صحف الكبائر، وعلى آله الأنجاب الذين هم أقطاب الدوائر.
أما بعد: فلما كانت سيرة أمراء المسلمين - ورؤسائهم في جميع الأعصار والأمصار - كمال السعي والاهتمام إلى تنفيذ الأحكام الشرعية والقيام إلى مراسم الأمور الدينية، خصوصا إلى تزئين مجالسهم، وتحسين محافلهم بمذاكرة مسألة الإمامة، وبيان عصمتهم وسائر صفاتهم.
وكان إقبال أكثر الناس واشتغالهم بتحصيل العلوم الدينية من مآخذها والمسائل الشرعية من أدلتها، من فروع الدين وأصول العقائد، وبذل جهدهم، واستفراغ وسعهم في أنحاء العلوم الحقة أهم الأمور وأتمها
صفحہ 9
عندهم، حتى صنفوا فيها كتبا عديدة، ومصنفات كثيرة، قد صارت تلك الكتب المدونة من نفائس خزائن أمراء عصرهم، وأصول ذخائر رؤساء دهرهم وجعلوا ذلك وسيلة إلى التقرب إلى الله سبحانه، و نيل شفاعة نبيهم، وأوليائهم. أولئك حزب الله " ألا إن حزب الله هم المفلحون ".
[لا] سيما أميرنا الأعظم ورئيسنا الأفخم، صاحب الفطانة النافذة جامع الفراسة الناقدة، معدن المروءة والعدالة، مخزن السخاوة والشجاعة، ماحي الظلم والعدوان باني العفو والإحسان، لم يوجد مثله حارسا للإمارة، ولم يعهد شبهه حافظا للحراسة، وحيد عصره، وفريد دهره، أعني أميرنا أمير زاده أعظم " بهمن ميرزا " حفظه الله تعالى عن جميع التلهفات والتأسفات، بمحمد وآله كاشف المعضلات.
فإنه قد بلغ الغاية شوقه، ووصل النهاية ميله، إلى مذاكرة العلوم الشرعية، خصوصا إلى ذكر فضائل أئمتنا عليهم السلام، ف " صرفت فكري، وبذلت جهدي إلى تحرير رسالة في إثبات وجوب عصمتهم التي هي ملاك نجاة الفرقة الناجية من بين " ثلاث وسبعين فرقة " مروية (1) وجعلتها .
صفحہ 10
تحفة إلى حضرته الشريفة، وحد منه العلية، وأرجو من الله أن يجعلها موافقا لطبعه، ومطابقا لما أدى إليه فكره ".
آية التطهير عصمة أهل البيت (ع).
أقول: إنه لما كانت " آية التطهير " أولى ما استدل به علماء أصحابنا معاشر الإمامية نور الله مراقدهم، على عصمة " أهل البيت " عليهم السلام بل وعلى حجية إجماعهم ، خلافا لأهل السنة، فلا جرم نشير إلى بيان الاستدلال بهذه الآية الشريفة، وكيفية الاحتجاج بها على عصمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله: بحيث يندفع به شكوك أهل الخلاف وشبهتهم، خصوصا شكوك رئيس المشككين " الفخر الرازي " (2) ثم نشير إلى ما يتعلق بها من المباحث، ويناسب لها من المسائل، مستمدا من الله سبحانه أنه خير موفق ومعين.
تفسير آية التطهير:
قال الله سبحانه: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (3) نصب أهل البيت في الآية: على النداء على .
صفحہ 11
وجه الاختصاص، أو على المدح.
قال الشيخ أبو علي الطبرسي طاب ثراه (1) في تفسير جوامع الجامع (2): اتفقت الأمة على أن المراد " أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله " انتهى.
ثم الرجس في اللغة (3) القذر، والقذر ضد النظافة. والطهارة لغة: النزاهة والنظافة فالمراد من إذهابه سبحانه الرجس عنهم (ع) تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم، وتنفر الطباع عنهم خلقا وخلقا، وذم العقلاء إياهم، فيدخل فيه الذنب، وكل ما يوجب النفرة وإن لم يكن ذنبا بل يدخل فيه الخطأ، أيضا لكونه مستلزما للنقص فيهم، فيمنع عن اتباعهم فيفوت الغرض والمصلحة من نصبهم عليهم السلام أو المراد من الرجس: الذنب خاصة، قال في الجوامع: الرجس مستعار للذنب (4) والطهر للتقوى.
وقال صاحب المدارك: قد ذكر المفسرون أن الطهارة هنا تأكيد للمعنى المستفاد من ذهاب الرجس في زوال أثره بالكلية، والرجس
صفحہ 12
في الآية مستعارة للذنوب، كما أن الطهارة مستعارة للعصمة (1).
إذا تقرر هذا فاعلم: أن ما قبل الآية وما بعدها وإن اقتضى دخول أزواج النبي صلى الله عليه وآله في تلك الآية: إلا أن العلامة (2) " قدس سره " قد نقل الإجماع على أن المراد بأهل البيت في الآية هو " علي وفاطمة والحسن والحسين " عليهم السلام.
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الآية نزلت " في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين " عليهم السلام.
وعن أم سلمة " رضي الله عنها " أنها قالت: جاءت فاطمة " عليها السلام " إلى النبي صلى الله عليه وآله تحمل حريرة له (ص) فقال النبي صلى الله عليه وآله: ادعي زوجك وابنيك، فجائت بهم، ثم ألقى عليهم كساءا خيبريا، وقال: هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير (3) ولم يجعلها منهم فلو - كان راجعا إلى الزوجات لدخلت هي فيهن أيضا، ولأجابها ب " نعم ".
وأيضا مراد الله تعالى في أفعاله واجب الوقوع عند الكل، فيكون
صفحہ 13
وقوع الرجس عنهم محالا (1) وهو إنما يثبت في حق المعصومين لا الزوجات لوقوع الذنب عنهن.
وأيضا المنفي في الآية ماهية الرجس من حيث هي هي، إذ الألف واللام إما للعموم كما عند بعض، أو للعهد، ولم يسبق ذكر الرجس، أو لتعريف الماهية والطبيعة، وإنما يصح نفيها عند نفي كل الجزئيات وزوال الرجس بالكلية لا يتصور بدون العصمة.
عدم دخول أزواج النبي (ص) في أهل البيت وقد تمسك " العلامة " في عدم دخول الزوجات في أهل البيت المذكور في الآية بالإجماع المركب حيث قال: زوال الرجس هو العصمة، فهي دالة على عصمة أهل البيت وكل من قال ذلك حصر المراد في " علي وفاطمة وحسن وحسين " عليهم السلام، فلو حمل على غيرهم لزم فرق الإجماع المركب (2) فما ذكره " البيضاوي " من أن تخصيص الشيعة أهل البيت ب " فاطمة وعلي وابنيهما " لما روى أنه عليه السلام خرج ذات غدوة وعليه " مرط مرجل " من شعر أسود فأتت فاطمة فأدخلها فيه، ثم جاء علي فأدخله فيه، ثم جاء الحسن والحسين فأدخلهما فيه، ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم .
صفحہ 14
الرجس أهل البيت (1) والاحتجاج بذلك على عصمتهم، و - كون إجماعهم حجة ضعيف، لأن التخصيص لا يناسب ما قبل الآية وبعدها:
والحديث يقتضي أنهم أهل البيت لا أنه ليس غيرهم (2) ضعيف مردود.
وأيضا اعتبار المناسبة بين هذه الآية والآيات التي قبلها وبعدها يقتضي قصر الخطاب عليهن، كما في تلك الآيات، فعلى هذا لا يحتاج إلى العدول عن الخطاب المتناول لها حقيقة إلى غيره.
مع أنه لا يحسن العدول بعد التصريح بالاسم في قوله تعالى " قل لأزواجك " و " يا نساء النبي " إلى الابهام الموجب للتعظيم، أعني أهل البيت، على أن تذكير الضمير - أعني عنكم ويطهركم - يمنع من دخولهن فيه.
لا يقال: تذكير الضمير يمنع عن قصر الخطاب عليهن لا من دخولهن، والمناسبة المذكورة بين تلك الآيات دليل عليه.
لأنا نقول: إن الخطاب المتناول للمذكر حقيقة لا يندرج فيه المؤنث إلا بدليل ولم يوجد، وأما دخول فاطمة عليها السلام في ذلك فإنما .
صفحہ 15
هو بدليل ما تقدم من الوجوه، بل لا خلاف فيه، ورعاية المناسبة بين الآيات المقتضية لإخراج الكلام عن حقيقته الظاهرة ليس بلازم، كما صرح به بعض الأعلام، فلا يكون دليلا بل ولا قرينة أيضا على دخولهن فيه، وإرادة التغليب خلاف الظاهر، فما ذهب إليه صاحب المواقف (1) من منع كون فاطمة عليها السلام معصومة، لأن أهل البيت يتناول أزواجه وأقربائه، ولم يكونوا معصومين بالاتفاق (2) خيال فاسد واعتقاد باطل بل لعل في ذكر هذه الآية الدالة على عصمة أهل البيت عليهم السلام بين تلك الآيات الواردة في أزواج النبي صلى الله عليه وآله تعريض عليهن " وأيضا يأبى عن دخول أزواجه صلى الله عليه وآله في ذلك ما قالوا في شأن نزولها: من أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله سألته شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة، وتغايرن (3) فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ووالى منهن وصعد إلى غرفة فمكث فيها شهرا، فنزلت فيها آية التخيير وهي قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا (4).
ثم الرواية التي ذكرها البيضاوي على تقدير تسليم أنها لا يقتضي
صفحہ 16
إن غيرهم ليس بأهل البيت، لا يقتضي أيضا ثبوت الحكم المذكور في الآية لغيرهم.
مع ما مر من رواية أم سلمة وغيرها الدالة.
فقد اتضح بما قررناه وجه دلالة الآية المذكورة على عصمة أهل البيت عليهم السلام من غير توقف فيها على أمر خارج من الاجماع والرواية.
ملاك حجية إجماع أهل البيت وأما احتجاج أصحابنا بهذه الرواية على حجية إجماع أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله فإنما هو في مقابلة المنكرين لعصمتهم إذ بعد القول بعصمتهم لا حاجة إلى بيان حجية إجماعهم، وهو ظاهر بل لا وجه للتوقف على حصول إجماعهم (1).
نقد حجية إجماع الخلفاء ثم تمسك القائلون بحجية إجماع الخلفاء الأربعة ب " قوله صلى الله عليه وآله:
صفحہ 17
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (1).
والقائلون بحجية إجماع الشيخين تمسكوا ب " قوله صلى الله عليه وآله: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (2) وأجاب عنهما " الشارح العضدي " بأن الروايتين إنما تدلان على أهلية الأربعة والاثنين لتقليد المقلد لهم لا على حجية قولهم على المجتهد.
مناظرة المأمون مع علماء العامة واعلم: أن الرواية الثانية ونظائرها، مما يأتي قد أبطلهما " المأمون " حيث كان يتقرب بذلك إلى الرضا عليه السلام في مجادلة المخالفين في الإمامة في التفضيل، مع تصريحه عليه السلام لأصحابه الذين يثق بهم، لا تغتروا منه بقوله: فما يقتلني والله غيره، ولكنه لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله.
روى الصدوق عليه الرحمة في العيون (3) عن إسحاق بن حماد ابن يزيد، قال: جمعنا يحيى بن أكثم القاضي، وقال: قد أمرني المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث، وجماعة من أهل الكلام والنظر، فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا، ثم مضيت بهم فأمرتهم .
صفحہ 18
بالكينونية في مجلس الحاجب لأعلمهم بمكاناتهم ففعلوا، فأعلمته فأمرني بإدخالهم ففعلت فدخلوا وسلموا، فحدثهم ساعة وآنسهم، ثم قال: إني أريد أن أجعلكم بيني وبين الله في يومي هذا حجة، فمن كان حاقنا (1) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته وانبسطوا وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم، ففعلوا ما أمروا به.
فقال: أيها الناس إنما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله عز وجل فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم وإمامكم، فلا تمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان ورد، والباطل على من أتى به وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه وإيثار طاعته، فما أحد يتقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم إني أزعم أن عليا خير البشر بعد النبي، فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي، وإن كنت مخطئا فردوا علي، وهلموا فإن شئتم أنا سألتكم وإن شئتم فاسئلوني، فقال له الذين يقولون بالحديث: بل نسئل فقال:
هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا منكم، فإذا تكلم فإن كانت عند أحدكم زيادة فليزد وإن أتى بخلل فسددوه.
فقال قائل منهم: إنما نحن نزعم أن خير الناس " أبو بكر " بعد رسول الله من قبل أن الرواية المجمع عليها (2) جاءت عن الرسول أنه .
صفحہ 19
قال: اقتدوا باللذين من بعدي " أبو بكر وعمر " فلما أمرني النبي بالاقتداء بهما، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس.
فقال المأمون: الروايات كثيرة ولا بد من أن يكون كلها حقا، أو كلها باطلا، أو بعضها حقا وبعضها باطلا، فلو كان كلها حقا، كان كلها باطلا من قبل أن بعضها نقيض بعض ولو كان كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين ودروس الشريعة، فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار وهو أن بعضها حق وبعضها باطل، وإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منه ليعتقد وينفى خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه صحيحا كان أول [أولى] ما اعتقد وآخذ به، وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في أنفسها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أحكم الحكماء، وأولى الحق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال. وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلوان من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين؟ فإن كانا متفقين من كل جهة كان واحدا بالعدد والصورة والجسم وهذا معدوم بأن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة، وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما:
وهذا تكليف ما لا يطاق، لأنك إذا اقتديت بواحد فقد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة، وردهم عمر أحرارا (1) وأشار عمر إلى أبي بكر بعزل خالد بقتله لمالك بن .
صفحہ 20
نويرة (1) فأبى عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر (2) ووضع عمر ديوان العطية (3) ولم يفعل ذلك أبو بكر ولهذا نظائر كثيرة.
ثم قال الصدوق (عليه الرحمة): في هذا فضل لم يذكره المأمون لخصمه، وهو أنهم لم يرووا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " وإنما رووا أبو بكر وعمر (4) ومنهم روى أبا بكر وعمر، فلو كانت الرواية صحيحة لكان المعنى قوله بالنصب: " اقتدوا باللذين من بعدي كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر انتهى، كلام الصدوق.
ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها تدل على إمامة الاثنين دون الثلاثة أو الأربعة.
.
صفحہ 21
وأيضا بناءا على هذه الرواية لا يحتاج إلى تعيين أحدهما في وقت والآخر في وقت آخر.
وأيضا لو كانت هذه الرواية مجمعا عليها لما احتاجوا في إثبات خلافة أبي بكر وعمر إلى تجشم الاستدلال على خلافتهما بأخبار الآحاد وغيرها).
ثم قال آخر من أصحاب الحديث: فإن النبي قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا (1) قال المأمون: هذا مستحيل من قبل روايتكم أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه وأخر عليا عليه السلام فقال له في ذلك ما أخرتك إلا لنفسي (2) وأي الروايتين تثبت بطلت الأخرى.
(ولقائل أن يقول -: هذه الرواية على تقدير صحتها - لعل مراده صلى الله عليه وآله أن أخذي أحدا خليلا لو كان برأيي واختياري لأخترت أبا بكر بالخلة على ما هو اعتقادكم فيه، ولكن هذا بأمر الله تعالى واختياره، وإنما أخذت عليا خليلا بأمر من الله واختياره).
وقال الآخر: إن عليا قال على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر (3).
فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أن النبي صلى الله عليه وآله لو علم أنهما .
صفحہ 22
أفضل ما ولى عليهما عمر ومرة ابن العاص (1) ومرة أسامة بن زيد (2) ومما يكذب هذه الرواية قول علي عليه السلام: لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وأنا أولى بمجلسه، وهو مني بقميصي، ولكن خشيت أن يرجع الناس كفارا.
وقوله عليه السلام أنى يكونان خيرا مني وعبدت الله عز وجل قبلهما وعبدته بعدهما.
(ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها، لعل مراده عليه السلام بقوله: " خير هذه الأمة على سبيل الاستفهام الإنكاري، كما يدل عليه الخطبة الشقشقية الدالة على تفضيح حالهما وشناعة أفعالهما وغيرها من خطبه عليه السلام (3).
وقال آخر: إن أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله؟
فقال علي عليه السلام: قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك (4) فقال المأمون، هذا باطل من قبل أن عليا قعد عن بيعة أبي بكر (5) ورويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة عليها السلام (6)
صفحہ 23
وأنها أوصت أن تدفن ليلا، ولا يشهدا جنازتها (1).
ووجه آخر وهو إن كان النبي صلى الله عليه وآله استخلفه فكيف كان له أن يستقيل: ويقول للأنصار: " قد رضيت لكم، هذين أبا عبيدة وعمر " (2).
(ولقائل أن يقول: - هذه الرواية (الاستقالة) على تقدير صحتها تدل على تردده في أمره، أو الندم عليه وقوله عليه السلام:
" بتقديم رسول الله صلى الله عليه وآله إياه " إنما هو على اعتقاد من قدمه عليه السلام أو تعريض عليه) وقال آخر: إن عمرو بن العاص قال:
يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ فقال: عايشة فقال: ومن الرجال؟
فقال صلى الله عليه وآله أبوها (3) فقال المأمون: هذا باطل من قبل أنكم رويتم: أن النبي صلى الله عليه وآله وضع بين يديه طائر مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فكان عليا (4). فأي روايتكم تقبل.
.
صفحہ 24
(ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها تكون دليلا على صحة دعوى عائشة، بل وعلى تقديمها على الخلفاء في الخلافة لو كانت المحبة دليلا على الإمامة؟!) وقال آخر: فإن عليا قال: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري (1).
قال المأمون: كيف يجوز أن يقول علي عليه السلام أجلد الحد على من لم يجب عليه الحد؟ فيكون متعديا لحدود الله عز وجل، عاملا بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية.
وقد رويتم عن إمامكم أنه قال: وليتكم ولست بخيركم " (2) فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر؟ مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا، فإن كان صادقا فأنى عرف ذلك؟ أبوحي؟ فالوحي منقطع أو بالظن؟ فالمتظني متحير، فإن كان غير صادق فمن المحال يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم، ويقيم حدودهم كذاب!
(ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها - لعل مراده عليه السلام: أن من فضلني عليهما بمعنى أن من اعتقد إمامتهما أيضا ولكن فضلني عليهما في ترتيب الإمامة حكمه كذا).
وقال آخر: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أبو بكر وعمر سيدا كهول .
صفحہ 25
أهل الجنة (1).
فقال المأمون: إن هذا الحديث محال، لأنه لا يكون في الجنة كهل، وروى أن أشجعية كانت عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: " لا تدخل الجنة عجوز " فقال صلى الله عليه وآله: لها إن الله عز وجل يقول: " إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن أبكارا عربا أترابا (2).
فإن زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة، فقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما (3).
(ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها - إن صلح أولها فسد آخرها، وإن صلح آخرها فسد أولها، لأن وجود الكهولة يستلزم عدم الدخول في الجنة، ودخولهما في الجنة يستلزم عدم كهولتهما فيها، إذ منشأ الكهولة إنما هو ضعف البنية والقوى وهما منفيان في الجنة، فصحة هذه الرواية تدل على فساد عاقبتهما).
وقال آخر: فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو لم أبعث لبعث عمر (4).
قال المأمون: هذا محال، لأن الله عز وجل يقول: " إنا أوحينا
صفحہ 26
إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " (1) وقال عز وجل: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " (2) فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ منه ميثاقه على النبوة مؤخرا.
(ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها - لعل مراده صلى الله عليه وآله أنه لو لم أبعث رحمة للعالمين لبعث عمر غضبا لهم، يا من سبقت رحمته غضبه).
وقال آخر: إن النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، وقال إن الله تعالى باهى بعباده عامة وبعمر خاصة (3).
فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أن الله تعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه صلى الله عليه وآله فيكون عمر في الخاصة، والنبي صلى الله عليه وآله في العامة، وليست هذه الرواية بأعجب من روايتكم: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: دخلت الجنة فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر، فقد سبقني إلى الجنة (4).
وإنما قالت الشيعة: علي عليه السلام خير من أبي بكر وعمر، فقلتم:
عبد أبي بكر خير من رسول الله؟ لأن السابق أفضل من المفضول (المسبوق)!
صفحہ 27
وكما رويتم أن الشيطان يفر من ظل عمر وألقى على لسان النبي الله " فإنهن الغرانيق العلى " ففر من عمر، وألقى على لسان النبي الكفر!! (1).
(ولقائل أن يقول: هذه الرواية على تقدير صحتها - لعل تبسمه صلى الله عليه وآله بعد النظر إلى عمر للتعجب من فعله وإنفاذ حيلته، ثم مباهاته صلى الله عليه وآله بعمر خاصة، إما من جهة وجوده، أو من حيث عمله، وعلى أي التقديرين لا مباهات فيه، أما من جهة وجوده فلطرو خباثة الكفر عليه مدة، وأما من جهة عمله فلنقصانه به عمن لم يتطرق إليه الكفر أصلا وهو ظاهر.
وأما الرواية التي رووها: من أن الشيطان يفر من ظل عمر " فلقائل أن يقول: لعل فرار الشيطان من ظل عمر من جهة خوف منه؟
بأن يوسوس فيحتال،. ويحل عليه غضب في الدنيا زيادة على عذابه في الآخرة، فيتأذى به إلى يوم يبعثون، وإن كان من المنظرين إليه، إذ وسوسة شيطان الإنس أقوى وأعظم من وسوسة شيطان الجن، كما نطق به الكتاب.
وأما قول المأمون: من أن الشيطان ألقى على لسان نبي الله " فإنهن الغرانيق العلى
صفحہ 28