جامعة الكويت
كتاب: نَظْم علوم الحديث
تأليف: شهاب الدين محمد بن أحمد الخُوَيِّي الشافعي (المتوفى ٦٩٣ هـ)
المُسماة: "أقصى الأمل والسُّول في علم حديث الرسول ﷺ"
دراسة وتحقيق: نواف عباس حبيب المناور
أطروحة مقدمة لكلية الدراسات العُليا لاستيفاء جزء من متطلبات درجة الماجستير في: برنامج الحديث الشريف وعلومه
تحت إشراف
د. حامد حمد العلي
الكويت
يونيو ٢٠١٥
© ٢٠١٥ جميع الحقوق محفوظة
-[الملخص]- أقصد من خلال هذه الدراسة المساهمة في دراسة وتحقيق ونشر التراث الإسلامي الزاخر الذي لم يرَ كثيرٌ منه النورَ حتى الآن (١). ومن تلك المخطوطات المهمة ما ألّفه العلّامة محمد بن أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر، شهاب الدين أبو عبدالله الخُويي الشافعي، قاضي دمشق وابن قاضيها (توفي ٦٩٣ هـ) في مصطلح علوم الحديث؛ حيث نظم المقدمة الشهيرة في علوم الحديث لشيخه عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري الحافظ تقي الدين أبو عمرو المعروف بابن الصلاح الشافعي الدمشقي صاحب كتاب علوم الحديث (توفي ٦٤٣ هـ)، نظمها في ١٦١٠ أبيات على بحر الرَّجَز، ولا يُعرف أحد سبقه في نظمها -فيما أعلم-، ثم تتابع العلماء من بعده على نظم تلك المقدمة. وقيمة هذا النظم من قيمة مؤلفه، حيث قال عنه الذهبي: "كان من أعلم أهل زمانه وأكثرهم تفننا وأحسنهم تصنيفا وأحلاهم مجالسة". (٢) وقال ابن كثير: "كان من حسنات الزمان وأكابر الأعلام عفيفا نزيها بارعا محبا للحديث وعلمه وعلمائه". (٣) وقد انتظم هذا البحث في مقدمة وقسم لدراسة المخطوط ومقدمات علم مصطلح الحديث ونظمه حيث يشتمل على بابَيْنِ وفصول ومباحث ومطالب، وقسم للنص المحقق مع تصحيحه والتعليق عليه بما يلزم. (٤) _________ (١) انظر: لمحات في المكتبة والبحث والمصادر، للدكتور محمد عجاج الخطيب، ص ٥٤، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة والعشرون، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م. وانظر: تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين، للدكتور حاكم المطيري، ص ١١٢، الكويت، جامعة الكويت مجلس النشر العلمي ٢٠٠٢. (٢) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، بيروت، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى ١٤٢٤ - ٢٠٠٣ (١٥/ ٧٧١) (٣) طبقات الفقهاء الشافعيين، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت ٧٧٤ هـ) تحقيق: الدكتور أحمد عمر هاشم - الدكتور محمد غرب، مصر - بور سعيد، مكتبة الثقافة الدينية، طبعة ١٤١٣ - ١٩٩٣ (٢/ ٩٤٥) (٤) سيأتي بيان خطة البحث بالتفصيل في المقدمة.
-[شكر وتقدير]- لا يفوتني في هذا المقام، أن أحمد الله على أن تمم هذا البحث، وأشكر جامعة الكويت عمومًا وكلية الشريعة خصوصًا، والعاملين فيها، حيث أتاحوا لي فرصة الدراسة والبحث والتحصيل، فلهم مني خالص الشكر والتقدير. وأشكر كل من ساعدني في إتمام هذا البحث بالتحديد سواء بالنصيحة القولية أو بالجهد الفعلي من أساتذتي، وفي مقدمتهم أستاذي وشيخي الدكتور/ حامد بن حمد العلي، فجزاه الله خيرًا لإشرافه على رسالتي وما بذل من وقته وأرشد ونصح وصبر، كذلك أشكر الدكتور طارق الطوراي والدكتور عادل الدمخي على تفضلهما بمناقشتي. وكذلك أتقدم بالشكر لكل من قدم مساهمة في هذا البحث من خارج أسرة الجامعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
© ٢٠١٥ جميع الحقوق محفوظة
-[الملخص]- أقصد من خلال هذه الدراسة المساهمة في دراسة وتحقيق ونشر التراث الإسلامي الزاخر الذي لم يرَ كثيرٌ منه النورَ حتى الآن (١). ومن تلك المخطوطات المهمة ما ألّفه العلّامة محمد بن أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر، شهاب الدين أبو عبدالله الخُويي الشافعي، قاضي دمشق وابن قاضيها (توفي ٦٩٣ هـ) في مصطلح علوم الحديث؛ حيث نظم المقدمة الشهيرة في علوم الحديث لشيخه عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري الحافظ تقي الدين أبو عمرو المعروف بابن الصلاح الشافعي الدمشقي صاحب كتاب علوم الحديث (توفي ٦٤٣ هـ)، نظمها في ١٦١٠ أبيات على بحر الرَّجَز، ولا يُعرف أحد سبقه في نظمها -فيما أعلم-، ثم تتابع العلماء من بعده على نظم تلك المقدمة. وقيمة هذا النظم من قيمة مؤلفه، حيث قال عنه الذهبي: "كان من أعلم أهل زمانه وأكثرهم تفننا وأحسنهم تصنيفا وأحلاهم مجالسة". (٢) وقال ابن كثير: "كان من حسنات الزمان وأكابر الأعلام عفيفا نزيها بارعا محبا للحديث وعلمه وعلمائه". (٣) وقد انتظم هذا البحث في مقدمة وقسم لدراسة المخطوط ومقدمات علم مصطلح الحديث ونظمه حيث يشتمل على بابَيْنِ وفصول ومباحث ومطالب، وقسم للنص المحقق مع تصحيحه والتعليق عليه بما يلزم. (٤) _________ (١) انظر: لمحات في المكتبة والبحث والمصادر، للدكتور محمد عجاج الخطيب، ص ٥٤، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة والعشرون، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م. وانظر: تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين، للدكتور حاكم المطيري، ص ١١٢، الكويت، جامعة الكويت مجلس النشر العلمي ٢٠٠٢. (٢) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، بيروت، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى ١٤٢٤ - ٢٠٠٣ (١٥/ ٧٧١) (٣) طبقات الفقهاء الشافعيين، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت ٧٧٤ هـ) تحقيق: الدكتور أحمد عمر هاشم - الدكتور محمد غرب، مصر - بور سعيد، مكتبة الثقافة الدينية، طبعة ١٤١٣ - ١٩٩٣ (٢/ ٩٤٥) (٤) سيأتي بيان خطة البحث بالتفصيل في المقدمة.
-[شكر وتقدير]- لا يفوتني في هذا المقام، أن أحمد الله على أن تمم هذا البحث، وأشكر جامعة الكويت عمومًا وكلية الشريعة خصوصًا، والعاملين فيها، حيث أتاحوا لي فرصة الدراسة والبحث والتحصيل، فلهم مني خالص الشكر والتقدير. وأشكر كل من ساعدني في إتمام هذا البحث بالتحديد سواء بالنصيحة القولية أو بالجهد الفعلي من أساتذتي، وفي مقدمتهم أستاذي وشيخي الدكتور/ حامد بن حمد العلي، فجزاه الله خيرًا لإشرافه على رسالتي وما بذل من وقته وأرشد ونصح وصبر، كذلك أشكر الدكتور طارق الطوراي والدكتور عادل الدمخي على تفضلهما بمناقشتي. وكذلك أتقدم بالشكر لكل من قدم مساهمة في هذا البحث من خارج أسرة الجامعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نامعلوم صفحہ
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران الآية: ١٠٢]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء الآية: ١]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [سورة الأحزاب الآيتان: ٧٠ - ٧١]
أما بعد ..
فإن الله ﵎ أنزل كتابه الحكيم هداية ونورًا يضيء للناس سبل السعادة والسلام في دنياهم وآخرتهم، وجعله معجزةً لرسوله محمد ﷺ باقية إلى يوم الدين، ثم أعطاه السنة مفصِلة للكتاب وشارحة له، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل الآية: ٤٤]، أي: فتفصِّل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل. (١)
ولذلك قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ﵀: كل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو مما فهمه من القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [سورة النساء الآية: ١٠٥]. (٢)
فصار الكتاب والسنة ركيزتا هذه الملة، حيث العقائد توجد فيهما، والأحكام تستنبط منهما، والاعتماد عند كل نازلةٍ وخلاف عليهما، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [سورة النساء الآية: ٥٩] أي: فردوه إلى كتابه، وإلى الرسول مدة حياته، وبعد مماته إلى سنته. (٣)
فمن فجر الإسلام والمسلمون يهتمون بالوحيين اهتمامًا فائقًا؛ لِما مَرَّ من النصوص، وغيرها في القرآن الكريم، ولِما أمرَ به رسول الله ﷺ أُمَّتَهُ في سنته بذلك، فقال: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً". (٤) والمراد: بلغوا عني كل ما جئت به، آية مثلًا أو حديثًا. (٥)
_________
(١) تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت ٧٧٤ هـ) تحقيق: أبو إسحاق الحويني - أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين، الدمام، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى ١٤٣٤ (٤/ ٦٨٤)
(٢) تفسير القرآن العظيم ١/ ٥
(٣) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت ٣١٠ هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة، دار هجر، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ - ٢٠٠١ (٧/ ١٧٥)
(٤) أخرجه البخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث: ٣٤٦١.
(٥) انظر: التنوير شرح الجامع الصغير، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت ١١٨٢ هـ)، تحقيق: الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم، الرياض، مكتبة دار السلام، الطبعة الأولى ١٤٣٢ - ٢٠١١ (٤/ ٥٦٠).
1 / 1
فأما القرآن فقد تكفَّل الله ﷿ بحفظه من التبديل والزيادة والنقصان؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [سورة الحجر الآية: ٩]، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظًا. (١)
وأما الحديث فحفظه موكولٌ بهذه الأمة؛ "لذلك عنيت الأمة الإسلامية بالحديث النبوي، فأوعته حوافظها الفذة، وبذلت من أجله أعظم الجهد، وحاز حديث النبي ﷺ من الوقاية والمحافظة ما لم يكن قط لحديث نبي من الأنبياء، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول ﷺ في الشؤون كلها العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله ﷺ في طعامه وشرابه ويقظته ومنامه وقيامه وقعوده، حتى ليدرك من يتتبع كتب السنة أنها ما تركت شيئا صدر عنه ﷺ إلا روته ونقلته". (٢)
ثم وضع المسلمون للرواية قوانين تحقق ضبط الراوي للحديث، وتكلموا في الرجال، وذلك ليتميز المقبول فيعمل به، من غير المقبول، ومن هنا نشأ "علم مصطلح الحديث". (٣)
وتطورت قواعد هذا العلم على مر السنين، فانتقل من كونه قواعد شفوية إلى مسائل ضمن المصنفات إلى كتبٍ مستقلة، إلى نضوج هذا العلم على زمن أبي عمرو ابن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ).
فألف كتابه المشهور "علوم الحديث" المعروف بمقدمة ابن الصلاح، فصار هذا الكتاب قطب رحى علم المصطلح، والناس في فلكه يدورون؛ شرحًا واختصارًا ونظمًا ونقدًا.
وممن أدلى بدلوه في هذا، تلميذ ابن الصلاح الإمام القاضي شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الخليل الخُوَيِّي الشافعي (ت ٦٩٣ هـ)، فقد نظم كتاب شيخه في ألفيَّة ليختصره (٤).
ولا تزال الأمة الإسلامية تعتني بحديث النبي ﷺ من جميع جوانبه، إلى زماننا هذا؛ إضافةً وابتكارًا وشرحًا واختصارًا، ويدخل ضمن خدمة الحديث النبوي، إخراج التراث الإسلامي المخطوط القابع في ظلمات الخزائن التراثية تعلوه رمال السنين، لذلك حرصت بعض الجامعات على
_________
(١) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت ٦٧١ هـ)، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤١٣ - ١٩٩٣ (١٠/ ٥)
(٢) منهج النقد في علوم الحديث، للدكتور نور الدين عتر، دمشق: دار الفكر - بيروت: دار الفكر المعاصر، الطبعة الحادية والثلاثون ١٤٣١ - ٢٠١٠ ص ٢٤
(٣) انظر: المصدر نفسه ص ٢٦
(٤) كما أشار الناظم نفسُه في نظمه: وقد نظمتُ لُبّه مختصرا ... لا مُسهب اللفظ ولا مقتصرًا
1 / 2
إدخال "تحقيق المخطوطات" ضمن أطروحات الطلاب في الدراسات العليا، منها: كلية الدراسات العليا في جامعة الكويت، قسم الحديث الشريف وعلومه.
وبعد مشاورة أهل العلم وأساتذتي، وقع اختياري على مخطوط شهاب الدين الخويي في نظم مقدمة ابن الصلاح، لدراسته وتحقيقه والتعليق عليه لنيل درجة الماجستير في قسم الحديث الشريف وعلومه في جامعة الكويت.
ومن أسباب اختياري لهذا المخطوط:
١ - أن له الأسبقية؛ فهو أول نظمٍ لمقدمة ابن الصلاح، بل أول ألفية في علم المصطلح ككل فيما أعلم.
٢ - وأن المخطوط ما زال حبيس الخزائن التراثية، فلم يرَ نور التحقيق حتى الآن.
٣ - والمساهمة في إخراج التراث الإسلامي، وإضافة الكتاب إلى المكتبة الإسلامية الحديثة.
أما أهمية المخطوط:
١ - فهو من نظم تلميذ مؤلف الأصل.
٢ - وأنه من نظم إمامٍ في العلوم الإسلامية والعقلية.
٣ - وأن هذا المخطوط يُبيِّن لنا المستوى العلمي الذي وصل إليه أهل القرن السابع في "علم المصطلح"، وما كانوا عليه من إبداع في إيصال هذا العلم بصور متعددة.
٤ - وأن هذا النظم هو نقطة انطلاق الألفيات بعده، وهذا يفيدنا في دراسة تطور مستوى المنظومات العلمية في مصطلح الحديث خصوصًا وباقي العلوم عمومًا.
وقد قسّمتُ هذا البحث إلى قسمينِ:
القسم الأول: الدراسة، وفيها بابان:
الباب الأول: التعريف بعلم المصطلح: وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: تعريف علم مصطلح الحديث ونشأته.
الفصل الثاني: أطوار التأليف في علم مصطلح الحديث.
الفصل الثالث: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بابن الصلاح.
المبحث الثاني: التعريف بمكانة وأهمية كتابه: "علوم الحديث".
الفصل الرابع: وفيه مبحثان:
1 / 3
المبحث الأول: التعريف بالمنظومات العلمية ونشأتها.
المبحث الثاني: التعريف بأهم المنظومات في مصطلح الحديث.
الباب الثاني: وفيه فصلان:
الفصل الأول: التعريف بصاحب النظم، وفيه مباحث:
المبحث الأول: لقبه، وكنيته، واسمه، ونسبه، ومذهبه، ومكان ولادته.
المبحث الثاني: عقيدته وصفاته الخلقية والخُلُقية.
المبحث الثالث: طلبه للعلم ومشايخه.
المبحث الرابع: أشهر تلاميذه.
المبحث الخامس: أعماله التي تولاها ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
المبحث السادس: مؤلفاته.
المبحث السابع: وفاته.
الفصل الثاني: التعريف بالنظم:
المبحث الأول: نسبة النظم إلى مؤلفه وتسميته له.
المبحث الثاني: عدد أبياتها وتاريخ نظمها.
المبحث الثالث: المقارنة بينها وبين غيرها من الألفيات:
مطلب: المقارنة بينها وبين ألفية العراقي.
مطلب: المقارنة بينها وبين ألفية السيوطي.
المبحث الرابع: عناية العلماء بها.
المبحث الخامس: طبعاتها السابقة ونسخها المخطوطة.
المبحث السادس: منهج التحقيق.
القسم الثاني: النص المحقق.
1 / 4
القسم الأول: الدراسة.
الباب الأول: التعريف بعلم المصطلح: وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: تعريف علم مصطلح الحديث ونشأته.
الفصل الثاني: أطوار التأليف في علم مصطلح الحديث.
الفصل الثالث: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بابن الصلاح.
المبحث الثاني: التعريف بمكانة وأهمية كتابه: "علوم الحديث".
الفصل الرابع: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالمنظومات العلمية ونشأتها.
المبحث الثاني: التعريف بأهم المنظومات في مصطلح الحديث.
1 / 5
الفصل الأول: تعريف علم مصطلح الحديث ونشأته
أولا: تعريف علم مصطلح الحديث:
ويسمى "أصول الحديث"، والكلام في تعريف هذا العلم يكون على وجهين: على الإفراد، وعلى الإضافة.
تعريفه من جهة الإفراد:
أ- العلم: إدراك الشيء بحقيقته. (١)
ب- والاصطلاح: عبارةٌ عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسمٍ مَّا، ينقل عن موضعه الأول. (٢)
ج- والأصل: أسْفَلُ الشيءِ. (٣)
د- والحديث:
١ - في اللغة: الجديدُ، وكل ما يُتحدَّثُ به من كلامٍ وخَبَر. (٤)
٢ - وفي الاصطلاح: هو ما يضاف إلى النبي ﷺ، من قوله وفعله وإقراره، وقيل: أو وصف خلْقِيٍّ أو خُلُقِيٍّ، وقيل: أو أضيف إلى الصحابي أو التابعي. (٥)
أما تعريفه من جهة الإضافة بقولهم "علم مصطلح الحديث" أو "علم أصول الحديث" أو "علم المصطلح".
قال ابن حجر: " أولى التعاريف لعلم الحديث: معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي". (٦)
_________
(١) المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ص ٦٥٥ مادة: علمه
(٢) معجم التعريفات، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (ت ٨١٦ هـ)، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، القاهرة، دار الفضيلة، ص ٢٧
(٣) القاموس المحيط، لأبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (ت ٨١٧ هـ)، تحقيق: مركز الرسالة للدراسات وتحقيق التراث بإشراف: محمد نعيم العرقسوسي، دمشق-بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة ١٤٣٣ - ٢٠١٢، ص ٩٦١ مادة: أصل
(٤) القاموس المحيط ص ١٦٧ والمعجم الوسيط ص ١٨١، مادة: حدث.
(٥) انظر: مجموع الفتاوى، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت ٧٢٨ هـ)، حققه: عامر الجزار - أنور الباز، المنصورة: دار الوفاء - بيروت: دار ابن حزم، الطبعة الرابعة ١٤٣٢ - ٢٠١١ (١٨/ ٧)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي محمد، ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق: أبي قتيبة نظر الفاريابي، الرياض، دار طيبة، الطبعة الرابعة ١٤٣٢ - ٢٠١١ (١/ ٣٣٩)، منهج النقد في علوم الحديث ص ٢٧.
(٦) النكت على كتاب ابن الصلاح، لأبي الفضل أحمد بن علي محمد، ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق: الدكتور ربيع بن هادي المدخلي، عجمان، مكتبة الفرقان، الطبعة الثالثة ١٤٢٩ - ٢٠٠٨ (١/ ٨٩)
1 / 6
ويقسم بعض العلماء علم الحديث إلى قسمين: علم رواية، وعلم دراية.
١ -: علم الحديث الخاص بالرواية:
علم يشتمل على نقل أقوال النَّبي ﷺ وأفعاله، وروايتها، وضبطها، وتحرير ألفاظها.
٢ - علم الحديث الخاص بالدِّراية:
علمٌ يعرف منه حقيقة الرِّواية، وشُروطها، وأنواعها، وأحْكَامها، وحال الرُّواة، وشُروطهم وأصْنَاف المرويات، وما يتعلق بها. (١)
وموضوع هذا العلم: هو السند والمتن.
وثمرته: تمييز الثابت من الأخبار من الضعيف.
وفضله: امتثال أمر رسول الله ﷺ، ونيل بركة دعوته، إذ قال ﵊: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً". (٢)
وقال: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ". (٣)
نسبته إلى بقية العلوم: من علوم الآلة، ويحتاجه الطالب في كل علم من العلوم الشرعية.
أول من جمعه في مصنف: أول من أفرده بالتصنيف هو أبو محمد الحسن بن عبدالرحمن الرَّامَهُرْمُزِي. (٤)
استمداد هذا العلم: مسائله مستمدةٌ من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
اسم هذا العلم: له عدة أسماء، مثل: علم مصطلح الحديث، علم أصول الحديث، وعلم أصول الرواية، ومصطلح أهل الأثر.
حكم تعلم هذا العلم: فرض كفاية، إذ لا بد من معرفة ما صح عن النبي ﷺ من أخبار، فإن قام به مَن يكفي سقط الوجوب عن الباقي.
_________
(١) انظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي الشافعي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق: نظر محمد الفاريابي، الرياض، دار طيبة، الطبعة الثامنة ١٤٢٧ (١/ ٢٥)
(٢) أخرجه البخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث: ٣٤٦١.
(٣) أخرجه أبو داود (٣٦٦٠) وصححه الألباني.
(٤) هو: الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزيّ الفارسيّ، أبو محمد، محدث العجم في زمانه، ومن أدباء القضاة، له: "المحدث الفاصل بين الراويّ والواعي" و"أدب الناطق" وغيرهما، توفي سنة ٣٦٠ هـ. انظر: تذكرة الحفاظ ٢/ ٨١، شذرات الذهب ٣/ ١٣٥.
1 / 7
مسائله: هي المسائل المتعلقة بالسند والمتن من حيث القبول والرد، مثل: الاتصال والانقطاع والقلب والشذوذ ونحوها، وما يتعلق بحال الرُّواة: من العدالة والجرح، وشروطهم في التحمل وفي الأداء، إلى غير ذلك.
1 / 8
ثانيًا: نشأة علم مصطلح الحديث:
إن نشأة علم مصطلح الحديث كنشأة العلوم الإسلامية، تكون مبثوبةً في القرآن الكريم والسنة النبوية وفعل أصحاب النبي ﷺ ورضي عنهم، ثم بعد ذلك يتم استنباطها وتقعيدها على مر السنين حتى تتشكل ملامح ذلك العلم بأصوله وفروعه ومصنفاته.
وبعض أصول المصطلح قد أرشد الله سبحانه إليه، كما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [سورة الحجرات: الآية ٦].
قال ابن كثير: " يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون -في نفس الأمر-كاذبا أو مخطئا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقبلها آخرون". (١)
وكما بيَّن سبحانه في كتابه عدالة صحابة رسول الله ﷺ، وهو نوعٌ من أنواع علم المصطلح مستقلٌ جعله أهل هذا العلم في مبحث خاص، قال الخطيب البغدادي: "عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] ". (٢)
وفي باب اتصال السند وأهمية الإسناد، استنبط بعضهم أصلَ ذلك من كتاب الله تعالى، فقد أسند الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" عن مَطَر الوراق في قوله تعالى: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ [الأحقاف: ٤]، قال: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ يعني: إسناد الحديث. (٣)
وفي باب آداب أهل الحديث، يذكر العلماء مسألة نفعِ طلبةِ العلمِ بعضهم بعضًا وإعارةِ الكُتُب لمن احتاجها وكان أمينًا، ولهم في ذلك استنباط من كتاب الله تعالى، قال السيوطي: " قد ذم الله تعالى في كتابه مانع العارية بقوله: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ [الماعون: ٧]، وإعارة الكتب أهم من الماعون". (٤)
وغير ذلك من قواعد علم المصطلح المستفادة من القرآن الكريم.
_________
(١) تفسير القرآن العطيم ٦/ ٧٠٧
(٢) الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، دمشق - بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى ١٤٣٠ - ٢٠٠٩، ص ٥٨
(٣) انظر: شرف أصحاب الحديث، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق: الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي، القاهرة، مؤسسة تبوك للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة ٢٠١٢، ص ٣٩
(٤) تدريب الراوي ١/ ٥٢٤
1 / 9
وكذلك السنة النبوية؛ قد حوت كثيرًا من أصول مصطلح الحديث التي استقى منها أهل هذا الشأن مسائل عديدة وجعلوها أنواعًا في مصنفاتهم.
ومن ذلك، أنهم يستدلون لصحة تحمل الكافر للحديث حال كفره وأدائه بعد إسلامه (١) بحديث مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ: يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي". (٢)
واستدلوا على جواز تعديل الرواة بقوله ﷺ: "إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ" (٣)، وفي جرحهم بقوله ﵊: "بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ". (٤)
وقد يرد عن رسول الله ﷺ حديثٌ يدخل في عدة أبواب في علم المصطلح، كما استدل بعضهم على ضبط الحديث وحفظه (٥) بقول رسول الله ﷺ: " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ". (٦)
واستُدل به أيضًا على قبول خبر الواحد (٧)، وعلى عدم جواز الرواية بالمعنى (٨).
فكان الصحابة ﵃ بسليقتهم العربية وسلامة فطرتهم ولزومهم النبيَّ ﷺ، يفهمون هذه الأمور من الكتاب والسنة من غير الحاجة إلى تدوينها بقواعد، فانعكس ذلك على طريقتهم في تلقي الروايات عن النبي ﷺ في حياته وبعد وفاته.
_________
(١) انظر: تدريب الراوي ١/ ٤١٣
(٢) أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: (من غير ترجمة)، حديث: ٤٠٢٣، وأخرجه مسلم في كتاب: الصلاة، باب القراءة في الصبح، حديث: ١٠٣٥.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب: مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄، حديث: ٣٧٤٠، وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل عبد الله بن عمر، حديث: ٦٣٦٩.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب: الأدب، باب: لم يكن النبي ﷺ فاحشا ولا متفحشا، حديث: ٦٠٣٢، وأخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: مداراة من يتقى فحشه، حديث: ٦٥٩٦.
(٥) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي (ت ١٠٣١ هـ)، تحقيق: أحمد عبد السلام، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الرابعة ٢٠٠٩ (٦/ ٣٧٠)
(٦) سبق تخريجه.
(٧) انظر: تدريب الراوي ١/ ٧٤
(٨) انظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لأبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت ٩٠٢ هـ)، تحقيق: عبد الكريم بن عبد الله الخضير - محمد بن عبد الله آل فهيد، الرياض، دار المنهاج، الطبعة الثانية ١٤٣٢ (٣/ ١٢٤)
1 / 10
فمثال ذلك في حياته: ما أخرجه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ". (١)
قال الحافظ ابن حجر: "فيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به". (٢)
ومثال تطبيقهم لتلك القواعد بعد وفاته: ما قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ". (٣)
قال أبو العباس القرطبي: " قوله: (لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ) أي: ما نعرف ثقة نقلته وصحة مخرجه". (٤)
وعلى مثل سير الصحابة سار التابعون لهم بإحسان، فطبقوا قواعد الحديث على روايات أهل البدع كما قال ابن سيرين (توفي ١١٠ هـ): "لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ". (٥)
أي: لم يكن التابعون يسألون عن الإسناد حتى وقعت فتنة مقتل عثمان أو فتنة الخوارج. (٦)
واستمر الأمر على تناقل تلك القواعد شفويًا عشرات السنين، ثم بدأت مرحلة تدوين بعض مسائل المصطلح مفرقة في بعض التصانيف، وأول من دونها -فيما يُعلم- الإمام محمد بن إدريس الشافعي في كتابه "الرسالة". (٧)
فتعرض لجملة مسائل هامة مما يتصل بعلم الحديث، كذكر خبر الآحاد والإحتجاج به (٨)، والناسخ والمنسوخ (٩) وشرط حفظ الراوي، والرواية بالمعنى (١٠)، وقبول خبر المدلِّس (١١)، وتكلم عن الحديث المرسل (١٢).
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب: الصلاة، باب: باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة، حديث: ٤٠٣. وأخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، حديث: ١١٧٨.
(٢) فتح الباري ١/ ١٢٩
(٣) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه ص ٦٥
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي (ت ٦٥٦ هـ) حققه مجموعة من المحققين، مدشق- بيروت، دار ابن كثير، الطبعة الرابعة ١٤٢٩ - ٢٠٠٨ (١/ ١٢٥)
(٥) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه ص ٦٦
(٦) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ١/ ١٢٢
(٧) انظر: علم الرجال نشأته وتطوره، لمحمد بن مطر الزهراني، الرياض، دار المنهاج، الطبعة الأولى ١٤٢٧، ص ٧
وانظر: معجم المصطلحات الحديثية، لسيد عبد الماجد الغَوْري، دمشق-بيروت، دار ابن كثير، الطبعة الأولى ١٤٢٨ - ٢٠٠٧ ص ١٣.
(٨) انظر: الرسالة، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت ٢٠٤ هـ)، اعتنى بها: الدكتور ناجي السويد، بيروت، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى ٢٠١٠ - ١٤٣١، ص ٦٣
(٩) انظر: الرسالة ص ٩٥
(١٠) انظر: الرسالة ص ١٥٣
(١١) انظر: الرسالة ص ١٥٦
(١٢) انظر: الرسالة ص ١٨٥
1 / 11
وفي "الجامع الصحيح" للإمام البخاري ذكرٌ لبعض أنواع علوم الحديث ومسائله، كالتي في تراجم الأبواب، كقوله: "بابٌ: قول المحدث حدثنا وأخبرنا" (١)، وقوله: "باب ما يذكر في المناولة" (٢)، وقوله: "باب: متى يصح سماع الصغير؟ " (٣)، وقول: "باب: كتابة العلم" (٤).
وكذلك فعل الإمام مسلم بن الحجاج، فقد ذكر مسائل عديدة من مسائل المصطلح في مقدمة (٥) صحيحه، فذكر: زيادة الثقة، وآداب الرواية، والحديث المعنعن وصحة الاحتجاج به، وجواز الجرح وأنه ليس من الغيبة.
وأيضا الإمام أبو داود السجستاني ذكر جملةً من المسائل في رسالته لأهل مكة في وصف سننه.
وزاد عليهم الإمام أبو عيسى الترمذي إذ ختم جامعه بجزء نفيس ألحقه به، عُرف فيما بعد بـ"العلل الصغير" (٦)، أودع فيه مسائل كثيرة من مسائل مصطلح الحديث، فذكر: أنواع التحمل، والرواية باللفظ، ودرجات إتقان المحدثين، وتكلم عن الحديث الحسن، والحديث المرسل، وزيادة الثقات، والغريب، والمنكر.
لكن لم يوجد في هذا الدور أبحاث تضم قواعد هذه العلوم وتذكر ضوابط تلك الاصطلاحات، اعتمادا منهم على حفظهم لها وإحاطتهم بها. (٧)
ثم استمر الأمر على ذلك، -أعني: لم يكن هناك مُصنَّفًا مستقلًا في مصطلح الحديث؛ إنما هي مسائل متفرقة- حتى انقضت القرون الثلاثة الأولى، قال الدكتور محمد بن مطر الزهراني -وهو يتحدث عن نشأة تدوين المصطلح-: " كانت قواعده تتناقل إما مشافهة وإما منثورة في مصنفات شتَّى، وذلك
_________
(١) ذكره في صحيحه في كتاب العلم ص ٦٩
(٢) ذكره في صحيحه في كتاب العلم ص ٧٠
(٣) ذكره في صحيحه في كتاب العلم ص ٧٣
(٤) ذكره في صحيحه في كتاب العلم ص ٧٨
(٥) انظر: مقدمة صحيح مسلم ص ٦١ - ٧٧
(٦) انظر: سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي (ت ٢٧٩ هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دمشق-بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى ١٤٣٢ - ٢٠١١، ص ١٢٧٩.
(٧) منهج النقد ص ٦١
1 / 12
طيلة القرون الثلاثة الأولى، إذ لم يوجد - فيما أعلم - مصنف واحد يجمع تلك القواعد في هذه القرون الثلاثة، وإنما وجد بعضها منثورًا في مثل: "الرسالة" للإمام الشافعي، وكتاب "التمييز" للإمام مسلم، وكذلك في مقدمة "صحيحه"، وفي كتب معرفة الرجال والعلل، وكتب الجرح والتعديل المختلفة وغيرها". (١)
وهكذا في بقية العلوم الشرعية؛ تكون قواعده شفوية ثم تُدَوَّنُ بعضُ مسائل ثم يُفردُ بالتصنيف استقلالًا، وكان أول مَن أفردَ علمَ مصطلحِ الحديث بمُصنَّفٍ مستقل الحافظُ أبو محمد الحسن ابن عبدالرحمن الرَّامَهُرْمُزِي في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، ثم تتابع التصنيف بعده.
_________
(١) علم الرجال نشأته وتطوره ص ٦ - ٧
1 / 13
الفصل الثاني
أطوار التأليف في علم مصطلح الحديث
محاولةُ جمعِ هذه القواعد في كتاب واحد أو في كتب، مرحلةٌ امتدت من أوائل القرن الرابع إلى نهاية القرن الخامس تقريبًا، وتميزت هذه المؤلفات بسرد الراويات والأسانيد ثم استخلاص القواعد منها، وذكر من قال بها أو ذهب إليها من السلف. (١)
قال ابن حجر ﵀: "أول من صنف في ذلك: القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه: "المحدث الفاصل" (٢)، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري (٣)، لكنه لم يهذب، ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجا وأبقى أشياء للمتعقب، ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه: "الكفاية" (٤)، وفي آدابها كتابا سماه: "الجامع لآداب الشيخ والسامع" (٥)، وقَلَّ فنٌ من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا؛ فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل مَن أنصفَ عَلِمَ أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.
ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب: فجمع القاضي عياض كتابا لطيفا سماه: "الإلماع"، وأبو حفص الميانجي جزءا سماه: "ما لا يسع المحدث جهله" (٦). وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت، وبسطت؛ ليتوفر علمها، واختصرت؛ ليتيسر فهمها". (٧)
_________
(١) انظر: علم الرجال نشأته وتطوره ص ٧
(٢) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، لأبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي (ت ٣٦٠ هـ)، تحقيق: الدكتور محمد عجاج الخطيب، بيروت، دار الفكر.
(٣) معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه، لأبي عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، المعروف بابن البيع (ت ٤٠٥ هـ)، تحقيق: الدكتور أحمد بن فارس السَّلوم، الرياض، مكتبة المعارف، الطبعة الثانية ١٤٣١ - ٢٠١٠.
(٤) الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، دمشق - بيروت، مؤسسة الرسالة.
(٥) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ)، تحقيق الدكتور: محمود الطحان، الرياض، مكتبة المعارف.
(٦) ما لا يسعُ المحدثَ جهلُهُ، لأبي حفص عمر بن عبدالمجيد التونسي المَيَّانِشي (ت ٥٨٣ هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، بيروت، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية ١٤٣١ - ٢٠١٠.
(٧) نزهة النظر شرح نخبة الفكر، لأبي الفضل أحمد بن علي محمد، ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ)، تحقيق: أحمد بن سالم المصري، مصر، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، ص ٩ - ١٠
1 / 14
ثم بدأ التصنيف يأخذ شكلًا آخر غير ما تقدمه من مصنفات، وذلك بعد القرن الخامس الهجري، قال الزهراني: " وهي مرحلةُ جمعِ القواعد من كتب مَن تقدم من الأئمة بدون ذكر الأسانيد أو الروايات، ثم محاولة إعادة ترتيبها وتهذيبها، ومن أبرز المؤلفات في ذلك كتاب "مقدمةٌ في علوم الحديث" للحافظ أبي عمرو ابن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ) " (١).
قال ابن حجر: "إلى أن جاء: الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع -لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية- كتابه المشهور، فهذب فنونه، وأملاه شيئا بعد شيء؛ فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره؛ فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر". (٢)
فصار كتاب ابن الصلاح عمدة المتأخرين وإماما يحتذى به ومرجعا يقتدى به، فعوَّل عليه كل من جاء بعده في مصطلح الحديث، والكل في فلكه يدور، ولا يعيبه ما انتقد عليه في بعض مسائل المصطلح، إذ الكمال والعصمة لكتاب الله ﷿، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [سورة النساء: الآية ٨٢]
قال الحافظ العراقي: " فإن أحسن ما صنَّفَ أهلُ الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعا، إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه، وأماكن أُخَر تحتاج إلى تقييد وتنبيه". (٣)
ومن أهم المؤلفات في هذا الدور بعد كتاب "علوم الحديث": (٤)
١ - "الإرشاد" للإمام يحيى بن شرف النووي (توفي سنة ٦٧٦ هـ) لخص فيه كتاب ابن الصلاح ثم لخصه في كتاب "التقريب والتيسير لأحاديث البشير النذير".
٢ - "التبصرة والتذكرة" منظومة عدد أبياتها (١٠٠٢) للإمام الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي (المتوفى سنة ٨٠٦ هـ) ضمنها كتاب ابن الصلاح وتعقبه، وزاد عليه مسائل نافعة، ثم شرحها شرحا قيما، اسمه: "شرح التبصرة والتذكرة".
_________
(١) علم الرجال ص ٧
(٢) نزهة النظر ص ٩ - ١٠
(٣) التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت ٨٠٦)، تحقيق: محمد راغب الطباخ، بيروت، دار الحديث، الطبعة الثانية ١٤٠٥ - ١٩٨٤، ص ٢
(٤) منهج النقد ص ٦٧، سيأتي ذكر طبعات هذه الكتب عند الكلام عن كتاب ابن الصلاح وأهميته.
1 / 15
٣ - شرح للحافظ العراقي أيضا وضعه على كتاب ابن الصلاح: "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح" ويسمى أيضا "النكت".
٤ - "النكت"، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (المتوفى سنة ٨٥٢ هـ).
٥ - "نخبة الفكر" وشرحه "نزهة النظر" كلاهما للحافظ ابن حجر.
٦ - "فتح المغيث شرح ألفية العراقي في علم الحديث"، للحافظ شمس الدين محمد السخاوي (المتوفى سنة ٩٠٢ هـ)، امتاز بتحقيق وتتبع للمسائل في كتب السنة وعلوم الحديث.
٧ - "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي" للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (المتوفى سنة ٩١١ هـ).
ثم جاء بعد ذلك عصر الركود العلمي في علم مصطلح الحديث، وقد امتد ذلك من القرن العاشر إلى مطلع القرن الهجري الحالي.
في هذه الفترة توقف الاجتهاد في مسائل العلم والابتكار في التصنيف، وكثرت المختصرات في علوم الحديث شعرا ونثرا، وشُغِلَ الكاتبون بمناقشاتٍ لفظية لعبارات المؤلفين دون الدخول في عمق الموضوع تحقيقا أو اجتهادا. (١)
ثم جاء دور اليقظة والتنبه في العصر الحديث من مطلع القرن الهجري الحالي إلى وقتنا هذا، وفيه تنبهت الأمة للأخطار المحدقة نتيجة اتصال العالم الإسلامي بالشرق والغرب، ثم نتيجة الصدام العسكري العنيف والاستعمار الفكري الذي يفوق في خبثه وخطره كل الأخطار، فقد ظهرت دسائس وشبهات حول السنة أثارها المستشرقون وتلقفها ضعفاء النفوس، فصاروا يدندنون بها ويلهجون، مما اقتضى تأليف أبحاث حولها والرد على أغاليطهم وافتراءاتهم، كما اقتضى الحال تجديد طريقة التأليف في علوم الحديث، فوفى العلماء بهذه المطالب وأخرجت المطابع الكثير من المؤلفات المبتكرة النافعة، ومن أبرز المصنفات في تلك الحقبة:
١ - "قواعد التحديث" للشيخ جمال الدين القاسمي (٢).
٢ - "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"، للدكتور مصطفى السباعي (٣)، وهو كتاب جليل القدر تحدث عن المستشرقين ومواقفهم العدائية للسنة والإسلام.
_________
(١) المصدر السابق ص ٦٩
(٢) جمال الدين (أو محمد جمال الدين) بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق، من سلالة الحسين السبط: إمام الشام في عصره، علما بالدين، وتضلعا من فنون الأدب، مولده ووفاته في دمشق (١٢٨٣ - ١٣٣٢ هـ = ١٨٦٦ - ١٩١٤ م)، كان سلفي العقيدة لا يقول بالتقليد، رحل إلى مصر، وزار المدينة، انقطع في منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة والعامة، في التفسير وعلوم الشريعة الإسلامية والأدب، له اثنان وسبعين مصنفا أو تزيد.
انظر: الأعلام، لخير الدين الزركلي، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر مايو ٢٠٠٢ (٢/ ١٣٥).
(٣) مصطفى بن حسني، أبو حسان السباعي: عالم إسلامي، مجاهد، من خطباء الكتاب، ولد بحمص وتوفي بدمشق (١٣٣٣ - ١٣٨٤ هـ = ١٩١٥ - ١٩٦٧ م)، وتعلم بها وبالأزهر، كان على رأس كتيبة من (الإخوان المسلمين) في الدفاع عن بيت المقدس (١٩٤٨) وأحرز شهادة (دكتور في التشريع الإسلامي وتاريخه) من الأزهر (١٩٤٩) واستقر في دمشق، استاذا بكلية الحقوق (١٩٥٠) ومراقبا عاما لجمعية الإخوان المسلمين، وعميدا لكلية الشريعة (١٩٥٥) وقام برحلات، وأنشأ مجلة (حضارة الإسلام)، ونشر من تأليفه ٢١ كتابا ورسالة. انظر: الأعلام للزركلي ٧/ ٢٣٢
1 / 16
٣ - "الحديث والمحدثون" ألفه الشيخ الدكتور محمد محمد أبو زهو، بحث فيه جهود العلماء لخدمة الحديث. (١)
٤ - مؤلفات العلامة عبدالرحمن المُعلمي، طبعت مؤخرًا كاملة.
٥ - مؤلفات العلامة ناصر الدين الألباني، وهي مطبوعة.
وإلى غير ذلك من رسائل وبحوث جامعية محكمة نالت مرتبة الشرف، والبحوث والكتب المستقلة في علم الحديث، وتتبع ذلك وإحصاؤه يعسر ويطول.
_________
(١) انظر: منهج النقد ص ٧٠
1 / 17
الفصل الثالث
المبحث الأول: التعريف بابن الصلاح (١)
مولده ونَسَبه:
هو: الإمام، الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، تقي الدين، أبو عمرو عثمان ابن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي، الشهرزوري، الموصلي، الشافعي، ولد سنة سبع وسبعين وخمس مائة.
رحلاته وشيوخه:
وتفقه على والده (٢) بشهرزور وكان من جلة مشايخ الأكراد المشار إليهم، ثم اشتغل بالموصل مدة، وسمع من: عبيد الله ابن السمين (٣)، ونصر بن سلامة الهيتي (٤)، ومحمود بن علي الموصلي، وأبي المظفر بن البرني، وعبد المحسن ابن الطوسي (٥)، وعِدَّةٌ بالموصل.
_________
(١) انظر ترجمته في: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس أحمد بن ابن خلكان البرمكي (ت ٦٨١ هـ)، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار صادر (٣/ ٢٤٣)، سير أعلام النبلاء، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة ١٤٠٥ - ١٩٨٥ (٢٣/ ١٤٠)، الوافي بالوفيات، لخليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت ٧٦٤ هـ)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط - تركي مصطفى، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى ١٤٢٠ - ٢٠٠٠ (٢٠/ ٢٦)، طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (ت ٧٧١ هـ)، تحقيق: الدكتور محمود محمد الطناحي- الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية ١٤١٣ (٨/ ٣٢٦)، طبقات الشافعيين ٢/ ٨٥٧، طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الشهبي الدمشقي، تقي الدين ابن قاضي شُهْبَة (ت ٨٥١ هـ)، تحقيق: الدكتور الحافظ عبد العليم خان، الهند، حيدر أباد الدكن، دار المعارف العثمانية، الطبعة الأولى ١٣٩٨ - ١٩٧٨ (٢/ ١٤٢)، طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي الشافعي (ت ٩١١ هـ)، تحقيق: لجنة من العلماء، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى ١٤٠٣ - ١٩٨٣ (ص ٥٠٣)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لأبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد الحنبلي (ت ١٠٨٩ هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية ١٤٣٣ - ٢٠١٢ (٥/ ٣٤٣)، الأعلام للزركلي ٤/ ٢٠٧.
(٢) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٥٤٤
(٣) انظر: تاريخ الإسلام ١٢/ ٨٥٥، وانظر: الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، لأبي الفداء زين الدين قاسم بن قُطْلُوْبَغَا الحنفي (ت ٨٧٩ هـ)، تحقيق: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، صنعاء، مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، الطبعة الأولى ١٤٣٢ - ٢٠١١، (٧/ ٩).
(٤) انظر: تاريخ الإسلام ١٢/ ١١٥٩، وانظر: التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، لأبي بكر محمد بن عبد الغني الحنبلي، الشهير بابن نقطة (ت ٦٢٩ هـ)، دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد، الدكن، الطبعة الأولى ١٤٠٣ - ١٩٨٣ (٢/ ٢٨٣)
(٥) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٧١٢، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة ٦/ ٤٢٨.
1 / 18
ومن: أبي أحمد بن سكينة (١)، وأبي حفص بن طبرزذ (٢)، وطبقتهما ببغداد، ومن أبي الفضل بن المعزم (٣) بهمذان.
ومن: أبي الفتح منصور بن عبد المنعم ابن الفراوي (٤) "صحيح البخاري" و"السنن الكبرى لأبي بكر البيهقي"، وسمع أيضًا من المؤيد بن محمد بن علي الطوسي (٥) "صحيح البخاري" كذلك، وزينب بنت أبي القاسم الشعرية (٦)، والقاسم بن أبي سعد الصفار (٧)، ومحمد بن الحسن الصرام، وأبي المعالي بن ناصر الأنصاري، وأبي النجيب إسماعيل القارئ (٨)، وطائفة بنيسابور.
ومن أبي المظفر ابن السمعاني (٩) بمرو، ومن أبي محمد ابن الأستاذ (١٠) وغيره بحلب.
ومن الإمامين فخر الدين ابن عساكر (١١) وموفق الدين ابن قدامة (١٢)، ومن القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني (١٣) وعدة بدمشق، ومن الحافظ عبد القادر الرهاوي (١٤) بحران.
الأعمال التي قام بها:
_________
(١) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ١٦٣، طبقات الشافعية الكبرى ٨/ ٣٢٤.
(٢) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ١٦٧، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة ٧/ ٣١٦.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٢٠، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة ٦/ ٢٧٥
(٤) انظر: التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد ٢/ ٢٦٢
(٥) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٥٣٢، التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد ٢/ ٢٦٥
(٦) انظر: سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٨٥، الأعلام للزركلي ٣/ ٦٦
(٧) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٥٥٢
(٨) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٤٩٣
(٩) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٥٠٥، وفيات الأعيان ٣/ ٢٠٩
(١٠) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٧٤٠.
(١١) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٦١٣، طبقات الشافعية الكبرى ٨/ ١٧٧
(١٢) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٦٠١، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة ٥/ ٤٧٧
(١٣) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٤١١، طبقات الشافعية الكبرى ٨/ ١٩٦
(١٤) انظر: تاريخ الإسلام ١٣/ ٣٤١
1 / 19