91

اقمار مشتری

أقمار المشتري

اصناف

توقفت السيدة كيد. «أين ليلي هذه؟» «إنها في آخر غرف هذا الطابق؛ فهم لا يسمحون لها بمغادرة السرير.»

قالت السيدة كيد: «حسنا، اذهبي أنت وتفقديها؛ سأعود أدراجي إلى أسفل.»

قالت السيدة كروس: «لا شيء يدعوك للاستياء؛ كلهن يعشن في عالمهن الصغير، وهن سعداء به سعادة لا توصف.»

قالت السيدة كيد: «لعلهن كذلك. لكنني لست مثلهن. أراك في غرفة الترفيه.» واستدارت بكرسيها المتحرك، وقطعت القاعة ومنها إلى المصعد حيث السيدة ذات الثياب الوردية ما فتئت تتساءل بإلحاح عن أوراقها. ولم ترجع السيدة كيد مرة أخرى إلى هذا الطابق. •••

اعتادت السيدة كروس والسيدة كيد على لعب الأوراق في غرفة الترفيه يوميا بعد الظهر. فكانتا ترتديان الأقراط والجوارب والثياب التي تليق بفترة بعد الظهيرة وتذهبان إلى هذه الغرفة، وتتبادلان الأدوار في دفع حساب الشاي؛ فكانت فترات بعد الظهيرة هذه ممتعة بصفة عامة. وكان مستواهما في لعب الورق متقاربا. أحيانا كانتا تلعبان لعبة سكرابل (تكوين الكلمات)، لكن السيدة كروس لم تأخذ تلك اللعبة على محمل الجد - على عكس لعبة الأوراق - فأصبحت تافهة وميالة للتشاحن إذ تدافع عن تكوين كلمات من اختراعها؛ ولذا، كانتا تعودان إلى لعب الورق مرة أخرى مع التركيز على لعبة رومي أغلب الوقت. كانت الحياة أشبه بالمدرسة في هذا المكان. كان لكل شخص صديق حميم يرافقه؛ فكنت ترى نفس الأشخاص يجلسون دائما معا في غرفة الطعام، والبعض لم يكن لديه رفقة على الإطلاق. •••

التفتت السيدة كروس إلى جاك لأول مرة عندما كان في غرفة الترفيه إذ كانت تلعب الورق مع السيدة كيد. كان قد أودع في الدار منذ أسبوع تقريبا . وكانت السيدة كيد تعرف بأمره.

سألت السيدة كيد: «هل ترين هذا الرجل أحمر الشعر إلى جوار النافذة؟ جاء إلى الدار بعد أن أصيب بسكتة دماغية. إنه في التاسعة والخمسين فقط من عمره. سمعت بالأمر في غرفة الطعام قبل أن تنزلي.» «مسكين. في هذه السن الصغيرة!» «من حسن حظه أنه على قيد الحياة. والداه ما زالا على قيد الحياة، ويعيشان في مزرعة. كان في زيارة لهما وفي طريق العودة أصيب بالسكتة ووجدوه مغشيا عليه ووجهه في الأرض في فناء الحظيرة. لم يكن مقيما هنا في الجوار، بل كان يعيش في المنطقة الغربية.»

قالت السيدة كروس: «المسكين! أين كان يعمل؟» «كان يعمل بإحدى الصحف.» «هل كان متزوجا؟» «لم أسمع شيئا عن ذلك. كان معاقرا للخمر، ثم انضم إلى مؤسسة إيه إيه لعلاج إدمان الكحوليات، وتغلب على إدمانه. ولكن لا يمكنك أن تثقي بكل ما يتناهى إلى مسامعك في هذا المكان.» (كان هذا صحيحا. فعادة ما كان النزلاء يتداولون قصصا عن المستجدين؛ قصصا عن الأموال التي كانوا يملكونها، أو الأماكن التي ارتادوها، أو عدد العمليات التي خضعوا لها، والأجزاء البلاستيكية البديلة التي يحملونها سواء داخل أجسادهم أو خارجها. بعد بضعة أيام، قالت السيدة كروس إن جاك كان يعمل محررا بإحدى الصحف. في البداية، سمعت أن الصحيفة في سدبري، ثم سمعت أنها في وينيبيج. وقالت أيضا إنه أصيب بانهيار عصبي نتيجة مجهود زائد في العمل؛ وهذه هي الحقيقة، فهو لم يكن مدمنا للكحوليات قط. كما قالت إنه ينتسب إلى عائلة كريمة، وإن اسمه جاك ماكنيل.)

وقتئذ، لاحظت السيدة كروس كم بدا نظيفا ومعتنيا بنفسه في سرواله الرمادي وقميصه فاتح اللون. ولكن كان ثمة شيء متكلف وغير طبيعي، على الأقل بالنسبة له؛ إذ كان أشبه بشيء أمسى لامعا من فرط تعرضه للماء. كان رجلا ضخما لكنه عجز عن أن يقيم صلبه، حتى وهو جالس في مقعده المتحرك. وكان النصف الأيسر من جسمه كله مرتخيا وشبه مشلول وخائر القوى. ولم يكن الشيب قد اشتعل في شعر رأسه وشاربه بعد، بل اكتسيا بلون بني فاتح. وكان أبيض البشرة وكأنه لم يتعرض لضوء الشمس قط.

انقطع حبل أفكارها فجأة؛ فالواعظ الإنجيلي الذي اعتاد زيارة المكان كل أسبوع لتلاوة صلواته وإنشاد التراتيل (جرى العرف أن يأتي الواعظون الأكثر خبرة تباعا واحدا تلو الآخر أيام الآحاد)، كان يجوب غرفة الترفيه وزوجته في عقبه، يغدقان البسمات والتحيات على كل من تلتقي أعينهم بعينيه. نظرت السيدة كيد لأعلى عندما مرا بها وقالت همسا ولكن بصوت مسموع: «مرحى للعالم.»

نامعلوم صفحہ