قلن: إنه كان يحب وضع الحدود. «سيدتي، أنت لست صديقتي!» يا له من عجوز متكبر! كان يختال في المكان رافعا أنفه في السماء كذكر الإوز المنتصر. وهناك سيدة أخرى من طبقة اجتماعية أدنى - حسب وصفه - كانت من اللطف لتجلب له بعض الحساء عندما أصابته نزلة برد. ورغم جلوسه في مطبخ ابنته - ليس حتى بيته هو - وهو ينقع قدميه في الماء - أثناء مرضه بل احتضاره في حقيقة الأمر - لم يزل بالوقاحة ليدير ظهره لها، ويترك لابنته مهمة شكرها. كان يحتقرها، فقد كانت شنيعة في استخدام القواعد النحوية، وكانت بلا أسنان. «ولكنه أيضا كان بلا أسنان! في هذا الوقت كان قد فقد جميع أسنانه!» «يا له من مغفل عجوز مدع!» «وعالة على أبنائه.» «مجرد كتلة من الغرور والتكبر. هذا كل ما كان عليه.»
ولكنهن في أثناء سرد هذه القصص - وهن يتضاحكن - كن ممتلئات هن أنفسهن بالغرور والتبجح. لقد كن فخورات لانتمائهن إلى مثل هذا الجد. كن يؤمن أن رفض مخاطبة الأشخاص المتدنين شيء مشين وحقير، وأن إظهار التميز على الغير شيء سخيف، خصوصا عندما يفقد المرء أسنانه، ولكنهن ما زلن معجبات به نوعا ما. هذا حقيقي. كن معجبات بإهاناته التي صبها على رئيسه - مدير مكتب البريد الكادح - وبسلوكه المتفاخر الذي صبه على جيرانه، مواطني كندا الديمقراطيين. (يا له من شيء مشين ألا يتعرف علي، هكذا قالت جارته المسكينة العجوز عديمة الأسنان.) ربما يكن حتى معجبات بقراره بترك أبنائه للعمل. كن يصفنه بالرجل النبيل. وكان حديثهن متناقضا، ولكن انتماءهن إلى هذا الجد ظل أمرا يسرهن.
لم أستطع فهم هذا، سواء في ذلك الوقت أو بعده. كانت الدماء الاسكتلندية هي التي تجري في عروقي؛ دماء أبي. فأبي لم يكن ليعترف أبدا بوجود أشخاص أقل شأنا أو أعلى شأنا. كان مؤمنا كثيرا بالمساواة، مشددا على ألا «نشتكي» - حسب قوله - لأي شخص، وألا نخضع لأحد، وألا نتعالى على أحد أيضا، وأن نتصرف كما لو لم يكن هناك فروق بين الناس. لقد سلكت نفس الطريق. كانت هناك أوقات - لاحقة - تساءلت فيها ما إذا كان التعقل المسبب للعجز هو الذي شكل لديه هذا الرأي، بقدر مساهمة أي مشاعر مرهفة أخرى؛ وتساءلت عما إذا كنت أنا وأبي لا نحمل في قلوبنا أفكارا سليمة ومنيعة عن التفوق والأفضلية، الأمر الذي لا يمكن لأمي وقريباتها بغطرستهن البريئة مضاهاتها أبدا. •••
لم يكن استلام خطاب من عائلة تشادلي في إنجلترا - بعد ذلك بسنوات - بهذا القدر من الأهمية بالنسبة إلي. كان الخطاب من امرأة عجوز تبحث في شجرة العائلة. اتضح في النهاية أنه كانت للعائلة فعلا أصول في إنجلترا، وأنهم لم ينبذوا فروعهم التي تعيش في الخارج، بل كانوا يحاولون الوصول إليها. كان جدي الأكبر معروفا لديهم. كان اسمه في شجرة العائلة: جوزيف إلينجتون تشادلي. وقد ذكر سجل الزواج أنه كان يعمل صبيا لدى جزار. كان متزوجا من هيلينا روز أرمور - وهي خادمة - في عام 1859. إذن فقد تزوج فعلا خادمة. ولكن ربما لم يكن أمر ديونه من لعب القمار في أكسفورد حقيقيا. فهل كان النبلاء الذين لم يحققوا النجاح في أكسفورد يذهبون للعمل لدى جزار؟
خطر لي أنه لو كان استمر في مهنة الجزارة، لتمكن أبناؤه من دخول المدرسة. وربما كان يمكن أن يصبح رجلا ثريا في فورك ميلز. لم تذكر كاتبة الخطاب ارتباطه بتشولموندلي، أو حقول البردي، أو ويليام الفاتح. لقد كنا ننتمي إلى عائلة محترمة، من الخدم والحرفيين، الفلاحين أو التجار الموسميين. في وقت من الأوقات ربما كنت سأصاب بالصدمة عند اكتشافي هذا الأمر، وربما لم أكن سأصدقه. ولكن في وقت آخر - لاحق - خلال انهماكي بالتخلص من جميع المفاهيم الخاطئة، وجميع الأوهام، كنت سأشعر بالنصر. وبمجرد انكشاف الأمر، لم أعد أكترث، بأي شكل من الأشكال. كنت قد نسيت تقريبا كانتربري وأكسفورد وتشولموندلي، وتلك الصورة الأولى التي كونتها عن إنجلترا من أمي، تلك الأرض السحيقة التي يسودها الوئام والشهامة، والفرسان الممتطين خيولهم، والأخلاق الحميدة (رغم أن عائلة جدي عانت بالتأكيد تحت وطأة الحياة الخشنة)، وسيمون دي مونتفورت، ولورنا دون، وكلاب الصيد، والقلاع، ونيو فوريست، تلك المعالم النقية الريفية البهيجة والمتحضرة المرغوبة إلى الأبد.
كما كانت عيني قد تفتحت على أمور أخرى بفضل زيارة قريبتنا أيريس.
حدث هذا خلال إقامتي في فانكوفر. كنت متزوجة من ريتشارد آنذاك ولدي طفلان صغيران. وذات مساء يوم سبت رد ريتشارد على الهاتف وجاء ليناديني. «احذري، يبدو أنه أحد من داجليش.»
لطالما تفوه ريتشارد باسم موطني كما لو كان لقمة غير مستساغة في فمه يريد أن يلفظها فورا.
ذهبت إلى الهاتف وتنفست الصعداء عندما وجدت أنه لم يكن أحد من داجليش على الإطلاق. لقد كانت قريبتنا أيريس. فلم يزل شيء من لكنة وادي أوتاوا عالقا بكلامها، شيء ريفي - لم تكن هي نفسها لتشك في هذا ولم تكن لتسر به - وشيء مبهج ومرح جعل ريتشارد يفكر في أصوات داجليش. قالت: إنها في فانكوفر، وإنها تقاعدت الآن وانطلقت في رحلة، وكانت تتلهف لرؤيتي. فطلبت منها المجيء لتناول الغداء معنا في اليوم التالي. «لحظة، تقصدين بالغداء وجبة المساء، أليس كذلك؟» «بلى.» «أردت فقط أن أستوضح الأمر، لأننا حين كنا نزوركم - أتذكرين؟ - كان أهلك يتناولون الغداء في الظهيرة. كنتم تسمون وجبة الظهيرة غداء. لم أكن أحسب أنكم ما زلتم تفعلون هذا، ولكني أردت أن أتأكد.»
أخبرت ريتشارد بأن إحدى قريباتي من طرف أمي ستأتي على الغداء، وأخبرته أنها تعمل - أو كانت تعمل - ممرضة، وأنها تعيش في فيلادلفيا.
نامعلوم صفحہ