Aqeedah of Loyalty and Disavowal - Al-Muqaddim
عقيدة الولاء والبراء - المقدم
اصناف
تميز حقوق المسلمين فيما بينهم بالولاء الكامل
الحمد لله أحمده حمدًا دائمًا بلا فترة، وأشكره على نعمه التي لا تحصى كثرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ندخرها نجاة من عذاب الفترة، وسلامًا من العدو في العسرة واليسرة، نحمده على نعماه، ونصلي على عبده ورسوله محمد الذي اختاره واجتباه، وأحبه وارتضاه، وعظمه وكرمه، ورفعه على من سواه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.
أما بعد: فقد روى أبو داود في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده).
هذا الحديث رواه أيضًا ابن ماجة والنسائي عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي ﵁ فقلنا: هل عهد إليك رسول الله ﷺ شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟ فقال: لا، إلا ما في كتابي هذا.
قال مسدد: فأخرج كتابًا، وقال أحمد: كتابًا من قراب سيفه، فإذا فيه: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)، وزاد في روايته: (من أحدث حدثًا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
هذا الخبر رواه قيس بن عباد، وهو مخضرم، قال: (انطلقت أنا والأشتر) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي، المعروف بـ الأشتر، أدرك الجاهلية، وكان من أصحاب علي ﵁ من تابعي أهل الكوفة، وشهد مع علي الجمل وصفين ومشاهده كلها، وولاه علي مصر، فلما كان بالقلزم شرب شربة عسل فمات.
وقال العجلي في الأشتر: كوفي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.
قوله: (إلى علي) يعني: انصرف إلى علي بن أبي طالب ﵁، (فقلنا: هل عهد إليك رسول الله ﷺ أي: هل أوصاك رسول الله ﷺ (شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا) يعني: فهو عندي ليس عند غيري، قال مسدد: (فأخرج كتابًا) أي: أخرج علي كتابًا، وكان في هذا الكتاب ما خصه النبي ﷺ به، وفي لفظ: (من قراب سيفه، فإذا فيه) يعني في هذا الكتاب، وهو الذي عهد به رسول الله ﷺ إلى علي ﵁ (المسلمون تتكافأ دماؤهم) وفي لفظ: (المؤمنون تكافأ دماؤهم) بحذف إحدى التاءين.
والتكافؤ: التماثل والتساوي، قال في شرح السنة: يريد به أن دماء المسلمين متساوية في القصاص، يقاد الشريف منهم بالوضيع، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل، والمرأة بالرجل، وإن كان المقتول شريفًا أو عالمًا والقاتل وضيعًا أو جاهلًا، ولا يقتل به غير قاتله، وهذا على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية، كانوا لا يرضون في دم الشريف من دم قاتله الوضيع حتى يقتلوا عدة من قبيلة القاتل.
قوله: (ويسعى بذمتهم) الذمة: هي الأمان، ومنه سمي المعاهد ذميًا؛ لأنه أمن على ماله ودمه بالجزية، (أدناهم) أي: أقلهم، فدخل كل وضيع بالنص، ودخل كل شريف بالفحوى، فإذا كان هذا في حق أدنى المسلمين منزلة فكيف بأشرفهم فمن باب الأولى أن تراعى ذمته.
و(أدناهم) قيل: أقلهم عددًا وهو الواحد، أو أقلهم رتبة وهو العبد، والمعنى: إذا أعطى أدنى رجل من المسلمين أمانًا فليس للباقين إخفاره، أو ليس لهم نقض عهده وأمانه، فلو أن واحدًا من المسلمين أمن كافرًا، حرم على عامة المسلمين دمه، وإن كان هذا المجير أدناهم وأقل المسلمين منزلة، مثل أن يكون عبدًا، أو امرأة، أو عتيقًا، أو أجيرًا تابعًا، أو نحو ذلك، فلا تخفر ذمته.
وفي الجامع الصغير: (فيجير على أمتي أدناهم)، أي: أقلهم منزلة يكون ممن يجير.
وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ قوله ﷺ: (إن ذمة المسلمين واحدة)، فإذا أمن واحد من المسلمين كافرًا وأجاره؛ لزم باقي المسلمين أن يراعوا هذا العهد، وهذه الذمة، فلا يعتدي على هذا الذي أمنه أي واحد من المسلمين، حتى ولو كان وضيعًا أو عبدًا أو حتى امرأة، ففي الحديث: (إن ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
وروى الشيخان عن أم هانئ ﵂ في عام الفتح قالت: (قلت: يا رسول الله! زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلًا قد أجرته، فلان بن هبيرة، فقال رسول الله ﷺ: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).
ثم قال ﷺ: (ويجير عليهم أقصاهم) أي: إذا وجه الإمام سرية فأجاروا أحدًا أجاره أيضًا الإمام.
قوله: (ويرد سراياهم على قعدتهم) أو (يرد متسريهم على قاعدهم) القعيدة: هي الجيوش التي تخرج وتمضي في دار الحرب، فيبعثون سراياهم إلى العدو، فما غنمت يرد منه على القاعدين حصتهم؛ لأنهم كانوا ردءًا لهم، مثلًا: خرج الجيش الإسلامي خارج ديار الإسلام للحرب في ديار المشركين، فسرية جلست تكون ردءًا وحماية ووقاية للذين خرجوا، والأخرى خرجت لقتال الأعداء، فإذا غنم هؤلاء المجاهدون فيرد من الغنيمة على الذين كانوا ردءًا لهم؛ لأنهم خرجوا معهم، وكانوا يحمونهم.
قال ﷺ: (وهم يد على من سواهم) أي: أن المؤمنين يد واحدة على من سواهم من غير المؤمنين، وهذا كأنه دليل لما قبله من الأحكام؛ لأن المؤمنين يد على من سواهم، فهم متعاونون متناصرون، مجتمعون يدًا واحدة على غيرهم من أرباب الملل والأديان، فلا يسع أحدًا منهم أن يتقاعد ويتخاذل عن نصرة أخيه المسلم.
ثم يمضي النبي ﷺ في بيان هذا المعنى وتأكيده فيقول: (يرد مشدهم على مضعفهم) المشد: هو الذي دوابه شديدة قوية، والمضعف: هو الذي دوابه ضعاف، بمعنى: أن القوي من الغزاة يساعد الضعيف فيما يكسبه من الغنيمة، كإنسان كان قويًا في جهاده وفي حربه، فإذا غنم غنيمة فإنه يرد منها على الضعيف الذي يضعف عما يستطيعه هو، فإذا كان الأقوياء والضعفاء في القتال لهم الغنيمة، فيصيرون كلهم فيها شركاء على السوية.
ثم قال ﷺ: ومتسريهم على قاعدهم المتسري: هو الذي خرج من الجيش الذي مضى في السرية إلى قصد قتال العدو، وهم طائفة من الجيش يوجهون في الغزو، ويشترط في القاعد أن يكون قاعدًا في الجيش الخارج للقتال، لا أن يكون مقيمًا في دار الإسلام، بل يكون خرج معهم، لكنهم انقسموا إلى فريقين: فريق ذهب لقتال الأعداء، وفريق مكث يحميهم ويكون ردءًا لهم، وأيضًا هم يشتركون في الغنيمة.
ثم قال: (ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)، ثم قال ﷺ: (من أحدث حدثًا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، وقال النبي ﵊ في حديث آخر: (لعن الله من آوى محدثًا)، والمقصود بالحدث: الخيانة والجرم.
قوله: (فعلى نفسه) أي: من جنى جناية كان مأخوذًا بها، ولا يؤخذ بجريمة غيره، (أو آوى محدثًا) أي: ضمه وحماه، وآوى الجاني من قتله، وحال بينه وبين أن يقام عليه الحد من القصاص أو غيره، فالإيواء: هو التقرير عليه والرضا به.
1 / 2