158

ومنها: أنه لو صح ما قلت من أن سبق الهجرة لمن تقدم دونه عليه السلام لكان السابق إلى الهجرة هو جعفر بن أبي طالب وأصحابه بخروجهم إلى الحبشة مهاجرين بأمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

ومنها: أن أبا بكر لما أخبره علي عليه السلام بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بئر ميمون تبعه أبو بكر، فصار معه في الغار وبات علي عليه السلام على فراشه باذلا بمهجته، وكان بذل النفس أعظم عند الله وعند رسوله من الإبقاء على النفس.

ومنها: أنه كان مع أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوي قلبه، ولم يك مع علي عليه السلام من يقوي قلبه.

ومنها: أن عليا عليه السلام كان يرمى بالحجارة كما سلف وأبو بكر لا وجع به.

ومنها: أن أبا بكر في الغار لا يراه الكفار، وعلي على الفراش يراه من أحب، فله في بدء الهجرة بهذه الخصال المزية على أبي بكر، وعلى غيره، ومع ذلك فله المنة على أبي بكر بحفظ عائشة وكلايتها وسلامتها إذ كانت من جملة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللواتي حملن إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن عجيب الأمر في تلك الليلة مبيت أبي بكر حزينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكروبا، حتى كان الرسول يقول له: لا تحزن، وعلي عليه السلام صابر محتسب باذل نفسه الكريمة للسيوف الحداد، ورضخ الجنادل في فداء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام: في جواب الشرفاء من بني سليمان، وقد ذكر الله أبا بكر في القرآن في موضعين فلم يذكره إلا بنهي، وذلك قوله عز وجل فيما حكى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}[التوبة:40]، فنهى عن الحزن في هذا الموضع.

صفحہ 162