وله أيضًا وهو من الشعر الذي تكبو فرسان البلاغة دونه، ويتعثر الساعون خلفه، في أذيال خسرهم، ولا يلحقونه:
طال عمر الدجى علي وعهدي ... بالدياجي قصيرة الأعمارِ
ما احتسيت المدام إلى وغصت ... لهوات الدجى بضوء النهار
حبذا طلعة الربيع وأهلًا ... بمجالي عرائس الأزهار
وزمان البهار لو عاد فيه ... غيسان الشباب عود البهار
ومبيتي إذا نبا بي مبيتي ... في ظلال العريش والنوار
كم تفيأتها فحنت علينا ... حنة الأمهات والأطيار
مرحبًا بالمشيب لولا زمان ... غض من وحط من مقداري
لو وفى الصبا ولو عمر حين ... يا زماني أخذت منك بثاري
هذه من القوافي التي عناها بقوله من أخرى على الوزن دون القافية:
وقواف لو ساعد الجد نيطت ... موضع الدر من رقاب الغواني
سائرات بيوتهن على الأل ... سن سير الأمثال في البلدان
قصدٌ كالفرند في صفحة الده ... ر أو كالشنوف في الآذان
عاصيات على الطباع ذلول ... يتغنى بهن في الركبان
وقوله أيضًا فيما نحن فيه:
أرقت لبارق في جو راسي ... جرضت لصوب عارضه بريقي
هدته النائبات وأي ضيف ... هدت يوم الفراق إلى فروقِ
رفعت له بجنح الليل ناري ... فخاض الليل يعسف في الطريق
وددت ولو بضرب الهام أني ... رعيت له ولو بعض الحقوق
وقول السيد أحمد بن مسعود الحسني:
ألا هبي فقد بكر الندامى ... ومجيء المزج من ظلم الندى ما
وهيمنت القبول فضاع نشر ... روى عن شيح نجد والخزامى
وقد وضعت عذارى المزن طفلًا ... بمهد الروض تغذوه النعامى
وقول القاضي تاج الدين المالكي:
طال المنام على أرجوحة الصغر ... وبالغ الشيب في التحذير بالنذرِ
وجيش ليل الصبا فرت كتيبته ... لما أتى جيش صبح الشيب بالتبر
فاغسل بدمعك جفنًا بات مكتحلًا ... بنومه واكتحل من أثمد السهر
وانهض لتصقل مرآة البصيرة من ... غين الغشاء وما للذنب من أثر
إن الذنوب وإن جلت فإن لها ... إتيان ساحة طه سيد البشر
فشد حزم مطايا قصده وانخ ... ببابه والثم الأعتاب واعتفر
ومما وقع لي أنا في باب الاستعارة، قولي وهو صدر قصيدة مدحت بها الوالد رحمه الله تعالى:
برق الحمى لاح مجتازًا على الكثب ... وراح يسحب أذيالًا من السحبِ
أضاء والليل قد مدت غياهبه ... فأنجاب عن لهب يذكو وعن ذهب
فما تحدر دمع المزن من فرقٍ ... حتى تبسم ثغر الروض من طرب
وغنت الورق في الأفنان مطربة ... وهزت الريح أعطافًا من القضب
والصبح خيم في الآفاق عسكره ... والليل أزمع من خوف على الهرب
فقلت للصحب قوموا للصبوح بنا ... يا طيب مصطبح فيه ومصطحب
واستضحكوا الدهر عن لهو فقد ضحكت=كأس المدامة عن ثغر من الحبب وقلت بعده:
فقام يسعى بها الساقي مشعشة ... كأنها حلب العناب لا العنبِ
حمراء تسطع نورًا في زجاجتها ... كالشمس في البدر تجلو ظلمة الكرب
وراح يثني قوامًا زانه هيف ... بمعطف من قضيب البان مقتضب
في فتية يتجلى بينهم مرحًا ... كأنه البدر بين الأنجم الشهب
مهفهف القدِّ معسول اللمى ثمل ... يتيه بالحسن من عجب ومن عجب
لا يمزج الكأس إلا من مراشفه ... فأطرب لما شئت من خمر ومن ضرب
قد أمكنت فرص اللذات فاقض بها ... ما فات منك وبادر نهزة الغلب
واغنم زمانك ما صافاك منتهبا ... أيام صفوك نهبًا من يد النوب
ولا تشب موردًا للأنس فزت به=بذكر ما قد مضى في سالف الحقب
إن الزمان على الحالين منقلب ... وهل رأيت زمانًا غير منقلب
وإنما المرء من وفته همته ... حظيه في الدهر من جد ومن لعب
كم قلبتني ليالي في تصرفها ... فكنت قرة عين الفضل والأدب
تزيدني نوب الأيام مكرمة ... كأنني الذهب الإبريز في اللهب
لا أستريب بعين الحق أدفعه ... ولا أراب بغين الشك والريب
لقد طلبت العلى حتى انتهيت إلى ما لا ينال فكانت منتهى أربي
وتخلصت إلى المدح بقولي:
1 / 56