وولد لاوذ أيضا أميم بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان كثير الولد، فنزع بعضُ ولده إلى حام بن يافث بالمشرق، وأجناس الفرس كلهم من ولده. وفي ذلك يقول بعض شعراء فارس:
أبونا أمُيم الخيرِ مِن بَعِد فارس ... وفارس أرباب الملوك لهم فخر
وقال قوم: الفرس بنو فارس بن تيرس بن باسود بن سام بن نوح، وقال آخرون: هم بنو فارس بن المرزبان بن الأسود بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ﵇.
وقال آخرون: بل هم لاوذ بن سام.
وأكثر القول: إن فارس بن أمُيم بن لاوذ بن سام بن نوح، وفارس من ولد فهلوج بن إيران ابن الأسود بن سام بن نوح، فمن ولد الأسود إيران بن الأسود وبه سمي إيران شِهر ومن ولد إيران كوز. فقالوا كرمان رهط شهريار بنوكوين بن فهلوج بن إيران بن الأسود بن سام. قال: وكذلك سموا كِرمان، أي هم بقية ولد كرين بن فهلوج، وقالوا: سِجستان بنوأشك بن فهلوج.
وقال ابن قتيبة طسم وجديس ابناء لاوذ نزلوا اليمامة، وكانت جديس قوما عرب يتكلمون بهذا اللسان العربي، وكانت جُديس تسكن اليمامة، فقتلتها طَسم وأَفنتها وطَسم أبناء لاوذ وأخوهما عِمليق بن لاوذ، نزل بعضهم الشام ومنهم العماليق تفر في البلاد، ومنهم فراعنة مصر، والجبابرة ومنهم ملوك فارس، وأهل خُرسان ومنهم من كان بالمشرق وعُمان والحجَاز، ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقر لهم الكنعانيون، ومنهم من كان بعمان والبحرين، أمة منهم يُسمون جاسم. قال: ولد أميم بن لاوذ بن سام وبار بن أميم، فنزل وبار بأرض وبار برَمل عالج وكان ولده قد كثروا بها وربلوا، فأصبتهم من الله نقمة من معصية أصابوها فهلكوا وبقيت منهم بقية، وهم الذين يقال لهم النسناس، يزعم العرب أنهم قد بعضهم للرجل والمرأة نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة، ويد واحدة ورجلواحدة تدخل في شق واحد ينفرون كما تنفر الظباء، يقال لهم النسناس. وإنما سُمِّيِت وَنَبار لَوِبَار بن أمَيْم، ووَبَار بلاد لايطؤها الناس، امتنعت من الجِنّ، وهم فيما يزعمون أكثر أرض الله نَخْلًا.
محمد بن إسحق، عن عامر بن الأسود بن وهب الثقفي، عن بعض العرب: أن رجلا مِنَ الجِنَّ وقف في الجاهلية بسُوق عُكَاظ على بعير له مثل الشاة، ثم قال حتى أسَمَعَ النَاس، وكانت عكاظ سوقًا من أسواق العرب يجتمعون فيها. فقال:
مَنْ يُعْطِني سِتَّا وسِتِّين بَكْرَة ... هِجَاناَ دراما أهداها لَوبَار
ثم ضرب بعيرة فَلَمع به كالبرق والعرب تزعم إنما يمنعهم منها أن سكانها الجن، وأنه قد خاذ خائض منهم إليها، فلم يقدر على أن يطمئن بها مِنْ عرف الجِنَّ إذا أمسوا، فتركتها العرب وبها آثار الناس مساكن ودور ليس بها ساكن.
قال أو حاتم السِّجِسْتَاني: وذكر بعض الثقات من شيوخنا: أن رجلا من اليمن رأى في إبله جَمَلاَ كأنه الكَوْكَب بياضًا وحُسنًا، فأقره فيها حتى ضربها، فلما لقحت ذهب راجِعًا حتى كان العام المُقبِل وإنه قد جاء قد نتج الرجل إبله، وتحركت أولادُها: فلم يزل فيها حتى ألقحها، ثم كرّ راجعا، وتبعه أولادُه وتَبِعَه الرجلُ، فلم يزل فيها حتى صار بعين وبار - وهي عين ماء الجن لا يَدْرِي أحدٌ ماهي اليوم - فأدركها عند إبل وَحْشِيَة وحَمِير وظباء وبقر ونَخلْ قَدَ بَلغ ثَمَرها، وأنها ليس بها أحدًا يطوَّها، ولا يعلم بها، وتلك الوحوش تحميها. قال وإنه أتاه ردلُ من الجِنّ فقال له ما أوقعك هنا؟ فقال: تبعتُ إبلي هذه. فقال: لو كنتُ قَدِمْتُ إليك قَبْلُ لَقَتَلْتك، ولكن اذهب ولا تعُد، وعمد إلى إبله فحازها له، وصرفها معه فيزعمون أن هذه النجائب المَهْرِيَّة من ذلك النسل، وجاء الرجل فحدّث به بعض ملوك كِنْدة فطلبها حتى أعيا. فلم يَقْدر عليها، ولم يهلم أين هي حتى الساعة، فتلك عين وبار.
وحدثني، أصحابنا قال: خرج رجلٌ من إرم ينعى على ضالة له، فوقع على وَبَار، فرأى نَخلاَ كثيرا وماءً وثَمْرًا مَطْرُوحًا تحت النخل، ثم رجع فأخبر بما رأى، ثم عَلَّم الطريق بعلامات، فاجتمع معه قومٌ ومضوا أياما، وطلبوا العلامات فلم يقدروا على وبار، ولم يَرَوْها.
1 / 27