قال أبو جعفر الطبري: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. كما قال الله تعالى، يدعوهم سرا وعلانية، يمضي قَرْنٌ بعد قرن فلا يستجيبون له، حتى مضى قرون ثلاثة على ذلك من حاله وحالهم، فلما أراد الله هلاكهم دعا عليهم فقال) رَبِّ إنَّهُمْ عَصَوني وَأتَّبُعوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهْ وَوَلَدَه إلاَّ خَسَارا (إلى آخر القصة، فأمره الله تعالى أن يغرس شجرة، فغرس شجرة، فنبت ساجة عظيمة فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم أمره أن يقطعها بعد ما غرسها بأربعين سنة، فيتخذ منها سفينة كما قال الله تعالى) وَأصْنَعْ الفُلْكَ بأَعْيِننا ووَحْيِنا (فقطعها وجعل يعملها فُرويَ عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها أخبَرَت أن رسول الله ﷺ قال " لو رَحِمَ الله أحدًا من قومِ نوح لَرَحم أمَ الصَّبي ".
وقال رسول الله ﷺ: كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله حتى كان آخر زمانه غَرَس شجرَةً وعَظُمَت وذَهَبَت كلَّ مذهب، ثم قطعها وجعل يعمل السفينة فيمرون به قومه فيسألونه عنها فيقول: أعْمَلُها سفينة، فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البَرِّ فكيف تجرى؟! فيقول: فسوف تعلمون!! فلما فرغ منها وفار التنور، وكثر الماء في السكك، خَشِيَت أمُّ الصبيّ عليه - وكانت تحبه حبا شديدا - فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ولما بلغها الماءَ خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على رأس الماء فلما بلغ الماء رقبتها رَفَعَتَه بيدها حتى ذهب به الماء. فلو رحم الله احدا لرحم أم الصبي.
وعن الضحاك قال: عمل نوح السفينة بعد أن مضى من عمره أربعمائة سنة - وأنبت الساجَ أربعين سنة - حتى كان طولها ثلاثمائة ذراع فعمل نوح السفينة بوحي الله إليه وتعليمه إياه، فكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وبابها في عرضها.
وعن هشام، عن أبي صالح عن ابن عباس قال. نَجَّر نوح السفينة بجبل فود ومن عم يبدأ الطوفان. قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وطولها في السماء ثلاثين ذراعا، وخرج منها في السماء ستة أذرع، وكانت مطبقة لها ثلاث طبقات، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض.
وعن ابن اسحاق، عمن لايتهم: أنه كان يحدث: أن قوم نوح كانوا يبطشون بنوح فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم أهْد قومي فإنهم لا يعلمون.
وقال ابن اسحاق: حتى إذا في غَيَّهم في المعصية، وعظُمت في الأرض منهم الخطيئة، تطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء وانتظر النجل بعد النجل ولا يأتي قرن بعد قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى ان كان الآخر منهم ليقول: إن هذا كان مع آبائنا وأجدادنا. هكذا. مَجْنُونًا!، فلا يقبلون منه شيئا، حتى شكا ذلك من أمرهم إلى الله ﵎، فقال كما قص الله علينا في كتابه) رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزْدِهُم دُعَائِي إلاَّ فِرارَا (إلى آخر القصة، حتى قال) رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكَفِرِين دَيَّارًا، إنَّكَ إنْ تَذّرْهُمْ يُضِلُّوا عَبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إلا فاجرًا كَفَّاراَ (إلى آخر القصة. فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله استنصر عليهم، وأوحى الله إليه) وَاَصْنع الفُلْك بأعْيُنِنا ووَحْيِنَا وَلاَ تُخاطِبني في الذين ظَلَموا إنَهُمْ مُغْرَقون (. فأقبل نوحُ على عمل الفُلك ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهييء عُدَّة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمُرُّون عليه. وهو في ذلك من عمله. فيسخرون منه ويستهزؤن به، ويقول) إنْ تَسْخَروُا مِنَّا فإنا نَسْخرُ مِنْكم كَما تَسْخَرون فَسَوفَ تَعْلمُون مَنْ يأتيه عَذَابٌ يُخْزِيه وَيَحَلُ عليه عَذابٌ مُقيم (قال: ويقولون فيما بلغنا: يا نوح قد صِرت نجارًا بعد النبوة! قال: وأعقمَ الله أرحام النساء فلا يَلِدن لهم.
1 / 18