Annotations on Al-Nawawi's Commentary on Sahih Muslim
النكت على شرح النووي على صحيح مسلم
ناشر
دار المقتبس
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٨ - ٢٠١٧ م
پبلشر کا مقام
سوريا
اصناف
بين يدي الكتاب
الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين، سيّدنا ونبيّنا محمد بن عبدالله، خير خلقه أجمعين، وعلى آله، وصحابته، الطيّبين الطاهرين، أما بعد:
فإن شرح صحيح مسلم، المعروف بـ «المِنْهَاج بشرْح صحيْح مُسلم ابن الحَجَّاج»، لشيخ الإسلام أبي زكريا يحيى بن شَرَف النَّووي الشافعي (٦٣١ - ٦٧٦ هـ) ﵀ (^١)، هو من أجلّ وأرفع شروح صحيح الإمام مسلم، إن لم يكن أجلُّها وأرفعُها على الإطلاق.
_________
(^١) ترجم للنووي كل من الف في تراجم الأعلام والتاريخ، كالذهبي في «تاريخ الإسلام» (١٥/ ٣٢٤)، وابن كثير في «طبقات الشافعيين» (١/ ٩١١)، وابن السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (٨/ ٣٩٥)، وابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» (٢/ ١٥٣)، والسيوطي في «طبقات الحفاظ» (١/ ٥١٣)، وابن العماد في «شذرات الذهب» (١/ ٥٥)، والزركلي في «الأعلام» (٨/ ١٤٩).
كما أفرد ترجمته في كتاب مستقل غير واحد من الأئمة منهم: تلميذه أبو الحسن ابن العطار في كتابه: «تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محي الدين»، والسخاوي في: «المنهل العذب الرويّ في ترجمة قطب الأولياء النووي»، وجلال الدين السيوطي في كتابه: «المنهاج السويّ في ترجمة الإمام النووي»، وكلها مطبوعة متداولة.
1 / 5
وقد تميّز شرحه هذا بمزايا كثيرة جدًا، وأثنى عليه الأئمة، ووصفوه بالاستيفاء وعِظَم البَرَكة (^١)، وغدا مرجعًا مهمًا في بابه، وقلَّ مكتبة شرعية، ليس فيها نسخة منه، بل قلَّ شرح من شروح كتب السنّة، إلا وقد نقل عنه مرارًا، واستشهد بكلامه، أو اعترض عليه أحيانًا.
كل هذا مما يدلّ على جليل قدر هذا الكتاب، ورفيع منزلته، ووضع القبول له - إن شاء الله - في الأرض.
ومن عظيم مِنَن الله عليّ أن أكرمني بصحبة هذا الكتاب زمنًا طويلًا، حتى إني طالعته كاملًا مرارًا، وأفدتُ منه فوائد غزارًا.
وكنتُ أثناء مطالعتي للكتاب ربما وقفتُ على مواضع منه رأيتها محلّ نقد قويّ، أو اعتراض جليّ على المؤلف ﵀، فكنت أقيّد هذه المواضع للمراجعة، حتى اجتمع لديّ منها الشيء الكثير.
* مجمل الاعتراضات على شرح النووي:
وهذه الاعتراضات يمكن إجمالها في التالي:
فأحيانًا يعزو النووي ﵀ روايات للصحيح ليست فيه.
وأحيانًا ينفي روايات عن الصحيح وهي فيه.
_________
(^١) وصفه بهذا الحافظ السخاوي في كتابه «المنهل العذب الروي» (ص: ١٩) فقال: «وهو كتاب عظيم البركة» كما وصفه العلامة ابن خلدون في «مقدمته» (ص: ٣٥٢) بقوله «جاء شرحًا وافيًا». وينظر: «طبقات الحفاظ» للسيوطي (١/ ٥١٣)، و«الحطة» للقنوجي (ص: ٣٦٤).
1 / 6
وأحيانًا ينسب أقوالًا لأئمة لا تصحّ عنهم.
أو ينفي أقوالًا لأئمة وهي ثابتة عنهم.
أو يَهِم في تواريخ بعض الوفِيّات.
أو يصحح روايات ضعيفة.
أو يضعف روايات صحيحة.
أو يذكر اجتهادات لا أصل لها.
أو يذكر كلامًا موهمًا يفيد معنى غير مقصود.
أو يستدل لمسألة بدليل ويغفل دليلًا أقوى منه.
أو يُجحف في بعض الأحاديث فلا يعطها حقّها من الشرح والإيضاح.
أو يضيّق في تفسير بعض الأحاديث، فيقصُرها على معنى واحد، مع أن ظاهرها محتملٌ لمعان أخرى قوية، وربما كانت جميعها داخلة ومشمولة في مراد النص.
أو يحكم ببطلان بعض الشروح والتفسيرات مع أن لها وجهًا قويًا من النظر.
وأحيانًا قد يحكي الإجماع في مسائل اشتهر فيها الخلاف، سواء في فروع الفقه، أو في جرح بعض الرواة وتعديلهم، أو تضعيف وتصحيح بعض الأحاديث، فيحكي الاتفاق مع ثبوت الخلاف واشتهاره، الأمر الذي حمل غير واحد من الأئمة إلى نقد صنيعه، ووصفه بالتساهل، كالحافظ ابن
1 / 7
عبدالهادي الحنبلي (^١) والعلامة القِنَّوجي (^٢)، ووصفه الحافظُ ابن حجر مرَّة بالمبالغة، فقال: «بالغ كعادته» (^٣).
وستمر بك شواهد وأمثلة عديدة على ذلك أثناء البحث.
هذا وقد رأيتُ الآن - بعد أن استخرتُ الله ئى - جمع هذه المواضع، وإفرادها في كتاب مستقل، متبعًا فيه النهج التالي:
* منهجي في الكتاب:
١ - اقتصرتُ على نقد أوهام النووي الجليّة، وما قد يقع له من سهو أو خطأ أو تقصير مما أشرت إليه آنفًا.
٢ - لم أتعقب النووي في مسائل الفروع الاجتهادية الخلافية، لأن الأمر فيها واسع، والكلام حولها يطول، وكثيرٌ منها قد أشبع بحثًا وتأليفًا ودراسة.
٣ - لم أتعقب النووي فيما جانب فيه الصواب من مسائل الاعتقاد، فقد أفرد هذا بعض فضلاء المعاصرين بكتاب مستقل (^٤)، فلم أر داعٍ لتكرار الكلام.
٤ - أذكر في البدء كلام النووي بنصه، ثم أذكر محل الانتقاد عليه، وإيضاح سببه، معتنيًا بنقد الأئمة له وتعقبهم عليه إن وجدت شيئًا من ذلك.
_________
(^١) «حاشية ابن عبد الهادي على كتاب الإمام» لابن دقيق العيد (١/ ٧٠).
(^٢) «السراج الوهاج» (١/ ٩).
(^٣) «التلخيص الحبير» لابن حجر (١/ ٤٨٨).
(^٤) ستأتي الإشارة إلى ذلك عند الكلام على الدراسات السابقة.
1 / 8
٥ - احرص على الاختصار قدر الإمكان، والاقتصار على مواضع النقد وبيان الوهم، دون الدخول في تفاصيل المسائل، أو مناقشة الأدلة، فهذا ليس من مهام البحث، إلا بالقدر الذي يخدم موضع النقد فحسب.
٦ - رتبت المسائل المنتقَدة حسب ترتيب ورودها في الكتاب، مقسّمة على ترتيب كتب صحيح مسلم، موثقًا كلام النووي ببيان رقم الجزء ورقم الصفحة من شرحه على صحيح مسلم.
وكنت أودّ لو أنني رتبت المسائل بحسب موضوعاتها، فأذكر أوهام النووي في التخريج على حدة، وأوهامه في حكاية الإجماع على حدة، وأوهامه في التواريخ على حدة … وهكذا، كما فعل الحافظ ابن القطان الفاسي في نقده لكتاب الأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي، ثم رأيت الاكتفاء بترتيب المسائل حسب ورودها في الكتاب، ولكل من الطريقتين مزية لا توجد في الأخرى، والأمر في هذا واسع.
* الدراسات السابقة:
هناك كتب ثلاثة سبقتني في نقد شرح النووي على صحيح مسلم، وهي:
١ - «جزء فيه استدراكات على شرح النووي لصحيح مسلم»، للإمام محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (ت: ٧٤٤ هـ)، التقطه الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: ٨٥٢ هـ) من منتقى، كان قد جمعه ابن عبد الهادي من شرح النووي لصحيح مسلم.
1 / 9
وقد نشر هذا الجزء في (١٤ صفحة) الباحث مصطفى بن بلْقاسم بلْحاج، ضمن دوريَّة عالم المخطوطات والنوادر (^١).
وقد تميَّز هذا الجزء بتنوع مسائله، ودقَّة ملحوظاته، فصاحبه ابن عبد الهادي عالمٌ كبيرٌ، وإمامٌ جليلٌ من أئمة الحديث والفقه، إلا أنه جزء صغير جدًا، أشبه ما يكون بالإشارات ورؤوس الأقلام، وكثيرًا ما يكتفي ابن عبد الهادي بالإشارة إلى كلام النووي، ثم يعقِّب عليه بقوله: «فيه نظر» أو نحوها من العبارات المختصرة، دون إبداء أي تفصيل أو إيضاح.
وقد أفدتُ من هذا الجزء في مواضع يسيرة جدًا، لا تتجاوز ستة تعقبات وهي:
١ - تعقُّبه النووي في تاريخ وفاة سفيان بن عيينة.
٢ - تعقُّبه في وهمه في أحد الرواة؟
٣ - تعقُّبه في حكاية اتفاق السَّلَف على صحة الصلاة في الدار المغصوبة.
٤ - تعقُّبه في نسبة عدم نقض الوضوء من أكل لحوم الإبل إلى الخلفاء الأربعة.
٥ - تعقُّبه في حكايته الاتفاق على تضعيف حديث من غَسَّل واغتسل.
٦ - تعقُّبه في قوله ببقاء الخَضِر ﵇ حيًّا حتى اليوم.
وأما بقيَّة اعتراضات ابن عبد الهادي فقد تركتها، لأن معظمها إما مسائل اجتهادية خالف فيها ابن عبد الهادي النووي، أو اعتراضات في قضايا لغوية
_________
(^١) العدد الثاني، رجب، ذي الحجة ١٤٣٣ هـ.
1 / 10
ونحوية، أو الكلام على بعض الرواة جرحًا وتعديلًا، أو تعقبات في ضبط بعض الألفاظ والأسماء.
وجلّ هذه الاعتراضات مما لا يتفق مع منهج بحثي الذي قصرته على القصور والأوهام المحضة فحسب.
٢ - «نكت شرح مسلم للنووي»، لمؤلفه الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
هذا الكتاب وصفه الحافظ السخاوي بقوله: «لم يكمل، رأيت منه كرّاسة من الكلام على المقدمة، وأخرى من الكلام على غيرها» (^١).
والكتاب لم يصلنا منه شيء حسب علمي، ولم ينقل عنه أحد، فلا تعرف طبيعته على وجه الدِّقة.
٣ - «الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات وغيرها من المسائل المهمات».
وهو من تأليف الشيخ مشهور حسن آل سلمان، (معاصر)، بيد أن مؤلفه خصصه لنقد النووي في بعض مسائل الاعتقاد، ولم يتعرض لغير ذلك، وقد استثنيت في بحثي هذه المسائل حتى لا يتكرر الكلام.
وفي الختام أود الإشارة إلى أمر أحسبه بديهي، لكن لا بأس من التنبيه عليه ولو بإيجاز، وهو أن كشف أوهام النووي ﵀ ونقدها، إنما مقصوده خدمة كتابه هذا، والارتقاء به نحو الأفضل، وليس المقصود انتقاصه، أو
_________
(^١) «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» (٢/ ٦٧٧).
1 / 11
الغض منه، أو تتبع زلاته، حاشا لله، فهذا مما لم يخطر على البال لأمور أربعة:
الأمر الأول: أن مؤلف الكتاب النووي إمام كبير وعالم جليل، لكنه ليس بمعصوم في كل ما يقول ويكتب، وكما قيل: «أبى الله أن يصحّ إلّا كتابه».
الأمر الثاني: أن الكتاب واسع جدا (^١)، وهو يعد معْلمة إسلامية، أو مدوَّنة كبرى في علوم الشريعة، فكونه وهم أو أخطأ في عشر مسائل أو مائة، فهذا مما لا يعدّ شيئًا، مقابل آلاف المسائل والتحقيقات التي أفادها وأصاب فيها.
الأمر الثالث: أن النووي نفسه قد مارس النقد والاستدراك على غيره، وتعقَّب كثيرًا من العلماء والأئمة والشراح الذين سبقوه، ونبّه على أوهامهم، وصوَّب أخطاءهم، واستدرك عليهم. وفي شرحه هذا مئات الشواهد والأمثلة على ذلك.
الأمر الرابع: أنني لم أنفرد بهذا العمل النقدي، فقد سبقني له كثيرٌ من الأئمة من الذين انتقدوا النووي، أو اعترضوا على بعض كلامه، كما سوف تراه في البحث إن شاء الله تعالى.
ولعل بعض القراء قد يضيقون صدرًا بكتب الردود والتعقبات، ويحسبونها من فضول العلم وتضييع الأوقات!! وهذا خطأ جسيم، واعتقاد
_________
(^١) طبع «شرح النووي على صحيح مسلم» في تسع مجلدات كبار، في كل مجلد جزءان.
1 / 12
عقيم، فإن من عظيم ألطاف الله بهذه الأمّة أن علماءها يردّ بعضهم على بعض، ولا يسكت بعضهم عن أغلاط بعض، حتى وإن كان المردود عليه من أهل الفضل والصلاح. وبهذه المزيّة حفظ الله ئى شريعته، وصانها من كل تغيير أو تبديل قد يعتريها أو يطرأ عليها.
لكن شرط هذا كله أن يكون الردّ والتعقب في حدود البحث العلمي، مع رعاية أدب الخطاب، وألا يكون الغرض منه تتبع الزلات، وإفحام الخصوم، وإسكات المخالفين!!
* عنوان البحث ومعناه:
هذا وقد رأيتُ تسمية الكتاب بـ: «النُّكَت على شَرْح النَّووي على صحيح مُسْلم».
والنُّكَت في اصطلاح العلماء هي: الملحوظات والمسائل العلمية القصيرة التوضيحية (^١).
ومنه قول المؤرخ المَقَّرِي التلمساني في ترجمة الحافظ مُنذر بن سعيد البَلُّوطي: «كان إذا قرئ عليه صحيحا البخاري ومسلم والموطأ يصحِّح النُّسخ من حفظه، ويملي النُّكت على المواضع المُحتاج إليها» (^٢).
ومنه قول الحافظ العراقي في مقدمة التقييد والإيضاح: «فأردتُ أن
_________
(^١) «التعريفات» للجرجاني (ص: ٢٤٦)، و«تكملة المعاجم العربية» (١٠/ ٣٠٤)، و«المعجم الوسيط» (٢/ ٩٥٠).
(^٢) «نفح الطيب للمقري» (٢/ ٢٥).
1 / 13
أجمع عليه (^١) نكتًا تقيّد مطلقه وتفتح مغلقه» (^٢).
وإذن فهذا البحث هو ملحوظات علمية قصيرة توضيحية على بعض كلام النووي في شرحه على صحيح مسلم، جمعت ما تيسر لي منها أثناء قراءة الكتاب، دون قصد التتبع أو الاستقصاء.
هذا والله أسأل أن يجعل هذا العمل المتواضع خالصًا لوجهه الكريم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
* * *
_________
(^١) يقصد كتاب «علوم الحديث» لابن الصلاح.
(^٢) «التقييد والإيضاح لما أُطلق وأُغلق من كتاب ابن الصلاح» (١/ ١١).
1 / 14
من المُقدِّمة
١ - حصره فوائد المستخرجات في ثلاث فقط وهي أكثر:
ذكر النووي ﵀ أن لكتب المستخرجات ثلاث فوائد، فقال: «ويستفاد من مخرَّجاتهم ثلاث فوائد: علو الإسناد، وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه، وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة» (^١).
«قال الباحث»: حصْر فوائد المستخرجات في الثلاثة المذكورة فيه نظر، فقد ذكر العلماء فوائد كثيرة لكتب المستخرجات، ومنها غير ما ذكره النووي:
١ - أن يروي في الصحيح عن مدلِّس، ويرويه صاحب المستخرج عنه مصرِّحًا بالسماع، مما ينفي تهمة التدليس.
٢ - أن يروي صاحب الصحيح عن راوٍ مختلط، من غير أن يبين هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، فيأتي صاحب المستخرج، فيرويه من طريق من سمع منه قبل الاختلاط.
٣ - قد تقع في الصحيح بعض الأسماء المبهمة، كحدثنا فلانٌ أو رجلٌ، أو مهملة، كحدثنا محمدٌ مثلًا، ويأتي مصرَّحًا بالاسم في كتاب المستخرج.
٤ - قد يقع في متن الصحيح بعض الكلام المدرج، من غير فصل،
_________
(^١) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٢٦).
1 / 15
ويأتي في المستخرج مميزًا ومنفصلًا … إلى غير ذلك من الفوائد (^١).
وقد تكرر من النووي ﵀ هذا الحصر في كتابه «التقريب والتيسير في أصول الحديث»، بيد أنه أنقص واحدة هناك، وجعل الفوائد فائدتين فقط، فقال: «وللكتب المخرَّجة عليهما فائدتان: علو الإسناد، وزيادة الصحيح» (^٢)!!.
ولأجل هذا الحصر انتقده الحافظ السيوطي ﵀، وقال: «لم يذكر المصنِّف - النووي - تبعًا لابن الصَّلَاح للمستخرج سوى هاتين الفائدتين، وبقي له فوائد أخر …» (^٣) ثم أخذ يعدّدها، مما أشرت إلى بعضها آنفًا.
وكذلك رأيت الحافظ العراقي قد تعقَّب ابن الصَّلَاح وهو أصل النووي بمثل ما سبق، فقال: «لو قال إن هاتين الفائدتين من فائدة المستخرجات كان أحسن، فإن فيها غير هاتين الفائدتين» (^٤).
٢ - وهْمُه في تاريخ وفاة الإمام سفيان ابن عُيينة:
ترجم النووي ﵀ للإمام سفيان بن عُيينة، وقال: «توفي سنة تسع وتسعين ومائة» (^٥).
_________
(^١) ينظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (١/ ٣٢٢)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (١/ ١٢٢).
(^٢) «التقريب والتيسير» للنووي (١/ ٢٧).
(^٣) «تدريب الراوي» (١/ ١٢٢).
(^٤) «التقييد والإيضاح» (ص: ٣٢).
(^٥) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٣٤).
1 / 16
«قال الباحث»: صوابه: ثمان وتسعون ومائة، كما قال الحافظ ابن عبد الهادي ﵀ (^١)، وهو المقرَّر عند عامة علماء التراجم والسّيَر (^٢).
ولعل منشأ خطأ النووي ﵀ أنه تابع فيه الحافظ ابن الصَّلَاح ﵀، حيث جزم ابن الصَّلَاح بأن ابن عُيينة توفي سنة: تسع وتسعين ومائة (^٣). وتعقَّبه الحافظ العراقي، ونبَّه على أنه وهْم منه (^٤).
فهذا إذن هو منشأ خطأ النووي ﵀ فيما يظهر لي، خاصة إذا ما علمنا بأن النووي كان قد اختصر ولخّص كتاب علوم الحديث لابن الصَّلَاح، فلعله التقط هذه المعلومة منه.
٣ - وهمٌ في راوٍ:
قال النووي ﵀: «من المختلطين: حُصين بن عبد الوهاب الكوفي» (^٥).
«قال الباحث»: تعقَّبه ابن عبد الهادي: بأنه: حُصين بن عبدالرحمن،
_________
(^١) مجلة عالم المخطوطات والنوادر، «جزء استدراكات ابن عبد الهادي على شرح صحيح مسلم» للنووي (ص: ١٨١).
(^٢) انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٦/ ٤٢)، و«المنتظم» لابن الجوزي (١٠/ ٦٩)، و«تذكرة الحفاظ» للذهبي (١/ ١٩٤).
(^٣) «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص: ٤٩٨).
(^٤) «التقييد والإيضاح» للعراقي (ص: ٤٥٩).
(^٥) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٣٤).
1 / 17
وليس عبد الوهاب (^١).
والأمر كما ذكر ابن عبد الهادي، فلم أقف في المختلطين على من اسمه حُصين بن عبد الوهاب (^٢).
٤ - جزمه بالسن التي كانت بين عبدالله بن عمرو بن العاص وأبيه:
قال النووي ﵀: «ومن طريف أحوال عبدالله بن عمرو بن العاصي أنه ليس بينه وبين أبيه في الولادة إلا إحدى عشرة سنة، وقيل اثنتا عشرة» (^٣).
«قال الباحث»: كذا جزم النووي بالسن التي كانت بين عبدالله بن عمرو وبين أبيه، مع أن من أهل العلم من جزم بأنه كان بينهما عشرون سنة، جزم بذلك ابن يونس المصري (^٤) وأبو نعيم الأصبهاني (^٥) وغيرهما، فالله أعلم.
* * *
_________
(^١) مجلة عالم المخطوطات والنوادر، «جزء استدراك ابن عبد الهادي على شرح مسلم» (ص: ١٨١).
(^٢) ينظر: «الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» (ص: ٢٣).
(^٣) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٧٧).
(^٤) «تاريخ ابن يونس» (١/ ٢٧٧)، (الترجمة: ٧٥٦).
(^٥) «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (٣/ ١٧٢١).
1 / 18
ومن كتاب الإِيْمَان
٥ - حكايته إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الدَّار المغصوبة والنظر في ذلك:
قال النووي ﵀: «الصلاة في الدَّار المغصوبة صحيحة، غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء، بل بإجماع السَّلَف» (^١).
«قال الباحث»: حكاية النووي إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الأرض المغصوبة تعقَّبه فيها ابن عبدالهادي بقوله: «ليس هذا كما قال» (^٢).
والأمر كما قال ابن عبد الهادي، لأن الإمام أحمد بن حنبل ﵀ كان لا يرى صحة الصلاة في الدار المغصوبة في إحدى الروايتين عنه، واختارها بعض أصحابه (^٣).
والنووي ﵀ لا يجهل مخالفة الإمام أحمد بن حنبل في المسألة، لكنه كان يرى أن الإجماع منعقد على الصحة قبل مخالفة الإمام أحمد، وأنه
_________
(^١) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ١٥٦).
(^٢) «جزء استدراكات ابن عبد الهادي على شرح صحيح مسلم» للنووي (ص: ١٨٢).
(^٣) انظر: «المحرر في الفقه في مذهب الإمام أحمد» (١/ ٤٣)، و«حاشية الروض المربع» لابن قاسم (١/ ٥٤٢).
1 / 19
محجوج بالإجماع قبله (^١)، وهذا ما لم يذكر النووي له مستندًا.
وقد سبق للفقيه الشافعي أبي بكر الباقلاني ﵀ (ت: ٤٠٣ هـ) أن حكى أيضًا إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الدار المغصوبة، ولعله سَلَفُ النووي في المسألة، وتعقَّبه الإمام ابن تيمية، فقال: «وهو - يعني الباقلاني - في غير موضع يدعي إجماعات لا حقيقة لها، كدعواه إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الدار المغصوبة، بكونهم لم يأمروا الظَّلَمة بالإعادة، ولعله لا يَقْدِر أن ينقل عن أربعة من السَّلَف أنهم استفتوا في إعادة الظَّلَمة ما صلّوه في مكان مغصوب، فأفتوهم بإجزاء الصلاة …» (^٢).
٦ - جزمه بالمدة التي كانت بين وفاة خديجة وأبي طالب:
قال النووي ﵀: «توفيت خديجة أم المؤمنين ﵂ بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام» (^٣).
«قال الباحث»: كذا جزم النووي ﵀ بالمدة التي كانت بين وفاة خديجة وأبي طالب، مع أنه مجرّد قول قاله بعض أهل العلم (^٤)، لا يوجد ما يثبته أو يؤكده.
_________
(^١) انظر: «المجموع شرح المهذب» (٣/ ١٦٤).
(^٢) «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (٦/ ٥٨١).
(^٣) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٢١٥).
(^٤) انظر: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (٦/ ٣٢٠١)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (٤/ ٣١٦).
1 / 20
وهناك من أهل العلم من قال: إن خديجة توفيت قبل أبي طالب بخمسة وثلاثين يومًا (^١).
وبعضهم قال: كان بين وفاتهما شهر وخمسة أيام (^٢).
وأمَّا شيخ المغازي محمد بن إسحاق ﵀ فلم يحدّد شيئًا بالأيام، واكتفى بقوله: «إنها توفيت وأبا طالب في عام واحد» (^٣). وتابعه على ذلك ابن هشام (^٤).
وقد أورد الحافظ البيهقي ما ذكره النووي بصيغة تشعر بعدم الثبوت، فقال: «بلغني أن موت خديجة كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام» (^٥).
لأجل هذا كان الأولى بالنووي عدم الجزم بالمسألة، والاكتفاء بقوله: فيما قيل، أو فيما قاله بعض العلماء، هذا أدق وأصوب، والله أعلم.
٧ - أحاديث في صحيح مسلم لم يشرحها النووي إطلاقًا:
من عادة النووي ﵀ شرح جميع أحاديث صحيح الإمام مسلم، بيد أن هناك بضعة أحاديث لم أره تعرض لشرحها إطلاقًا، ومنها على سبيل المثال:
_________
(^١) «تاريخ الإسلام» للذهبي (١/ ٦١٤).
(^٢) «الطبقات الكبرى» لابن سعد (١/ ٢١١)، و«المنتظم» لابن الجوزي (٣/ ١١).
(^٣) «السير والمغازي» لابن إسحاق (ص: ٢٤٣).
(^٤) «سيرة ابن هشام» (١/ ٤١٦).
(^٥) «دلائل النبوة» للبيهقي (٢/ ٣٥٣).
1 / 21
حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: «كيف أنتم إذا نَزَل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» (^١).
حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: «جَعَل - النبي ﷺ - اثني عشر ميلًا حول المدينة حِمَى» (^٢).
حديث عمر بن الخطاب ﵁ مرفوعًا: «لأُخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أَدَعَ إلا مسلمًا» (^٣).
حديث عائشة ﵂ مرفوعًا: «اللُّهم أعوذ بك من شرّ ما عملت، ومن شرّ ما لم أعمل» (^٤)، لم يشرح قوله: من شرّ ما لم أعمل.
حديث أبي هريرة مرفوعًا: «رأيت عمرو بن عامر الخُزاعي يجرّ قَصَبه في النار، وكان أول من سَيَّب السُّيُوب» (^٥).
حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه» (^٦).
حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك
_________
(^١) «شرح النووي على صحيح مسلم» (٢/ ١٨٩).
(^٢) «شرح النووي على صحيح مسلم» (٩/ ١٤٥).
(^٣) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٢/ ٩٢).
(^٤) المصدر السابق (١٧/ ٣٨).
(^٥) المصدر السابق (١٧/ ١٨٩).
(^٦) المصدر السابق (١٨/ ٣٦).
1 / 22
رجل يقال له الجَهْجَاه» (^١).
حديث عبدالله بن عمر ﵄ مرفوعًا: «أراني في المنام أتسوك بسواك فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي كبِّر، فدفعته إلى الأكبر» (^٢).
٨ - ضبطه بعض الألفاظ دون أن يبيّن معناها:
ذكر النووي ﵀ جملة من ألفاظ أحاديث صحيح مسلم الغريبة، واكتفى بضبطها دون بيان معناها، ومن ذلك على سبيل المثال:
«أُسْكفة»: اكتفى بقوله: «هي بهمزة قطع مضمومة، وبإسكان السين» (^٣)!!
«الضِلَع»: اكتفى بقوله: «الضلع بكسر الضاد وفتح اللام» (^٤) ولم يبين معناه.
«البَرذعة»: اكتفى بقوله: «بفتح الباء» (^٥)، ولم يزد.
«اسْتَعَطَ» (^٦): لم يضبطها ولم يشرحها.
_________
(^١) المصدر السابق (١٨/ ٣٦).
(^٢) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٨/ ١٢٩).
(^٣) المصدر السابق (٩/ ٢٣٥).
(^٤) المصدر السابق (١٠/ ٥٧).
(^٥) المصدر السابق (١٠/ ١٢٥).
(^٦) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٠/ ٢٤٢).
1 / 23
«الجَذعة» (^١): لم يضبطها ولم يشرحها.
«الكمأة»: اكتفى بقوله: «بفتح الكاف وإسكان الميم وبعدها همزة مفتوحة» (^٢).
٩ - سكوته عن رواية تفرَّد بها كذاب:
قال النووي ﵀: «ذكر البزَّار (^٣) خبرًا في الإسراء عن عليّ كرم الله وجهه، وذكر مسير جبريل ﵇ على البُراق، حتى أتى الحِجَاب، وذكر كلمة، وقال: خَرَج مَلَكٌ من وراء الحِجَاب، فقال جبريل: والذي بعثك بالحق إن هذا المَلَك ما رأيته منذ خُلقت، وإني أقرب الخلْق مكانًا» (^٤).
«قال الباحث»: ما كان يجدر بالنووي ﵀ ذكر هذه الرواية والسكوت عنها دون التنبيه على ضعفها الشديد، بل إنها شبه موضوعة، فقد تفرَّد بروايتها راوٍ اسمه: زياد بن المنذر الكوفي، يرويه عن محمد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جده عليّ بن أبي طالب به.
وزياد بن المنذر هذا كذَّبه غير واحد من الحفاظ، كابن معين، وقال:
_________
(^١) المصدر السابق (١٣/ ١١٢).
(^٢) المصدر السابق (١٤/ ٤).
(^٣) «كشف الأستار عن زوائد البزار» (١/ ١٧٩)، (حديث: ٣٥٢)، وقال البزار: «لا نعلمه يروي عن عليّ بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد».
(^٤) «شرح النووي على صحيح مسلم» (٢/ ٢٢١).
1 / 24