بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـ[أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل]ـ
المؤلف: زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: ٦٦٦هـ)
تحقيق: د. عبد الرحمن بن إبراهيم المطرودى
الناشر: دار عالم الكتب المملكة العربية السعودية - الرياض
الطبعة: الأولى، ١٤١٣ هـ، ١٩٩١ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.
نامعلوم صفحہ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
(وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)
قال الفقير إلى رحمة ربه ومغفرته محمد بن أبى بكر بن عبد القادر الرازي عفا الله عنه وغفر له ولجميع المسلمين؛ هذا مختصر جمعت فيه أنموزجًا يسيرًا من أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها فمنه ما نقلته من كتب العلماء إلا أنى نقحته ولخصته ومنه ما فتح الله تعالى على به بسبب مذاكرة أخ لي من إخوان الصفا في دين الله ومحبة كتابه، وكان صالحًا تقيًا سليم الفطره وقاد الذهن جامعًا لجملة من مكارم الأخلاق، وصفات الكمال الإنسانى أنعم الله تعالى على بصحبته ومذاكرته في معانى كتابه، وكان شديد العناية بها كثير البحث والسؤال عنها، قد هداه الله إليها وفتح عليه فيها بغرايب لم نسمعها من العلماء ولا رأينها في كتبهم فحملتنى فكرته القادحة ونيته الصالحة على جمع هذه الصبابة، وهى تزيد على ألف ومائتي سؤال، وأن كانت بالنسبة إلى ما في القرآن من العجائب والغرائب كالقطرة من الماء والسهى من نجوم السماء، ولكنى قصدت اختصار هذا الأنموذج منها وتقريبه إلى الأفهام، ليكثر الانتفاع به ولا يهجر لدقته وغموضه، وأماالأسئلة التى تتعلق بوجوه الإعراب وبالمعانى التى هى أدق على الأفهام وأخفى، فإنى وضعت لها مختصرًا آخر وأودعته أنموذجًا منها فلتطلب منه، وبالله أستعين وعليه أتوكل واليه أتضرع في أن يجعل علمى وعملى خالصًا لوجهه الكريم ويتغمدنى وأخى الصالح بمغفرته ورحمته أنه غفور رحيم
1 / 1
سورة فاتحة الكتاب
* * *
فإن قيل: الرحمن أبلغ في الوصف بالرحمة من الرحيم بالنقل عن الزجاج وغيره، فكيف قدمه وعادة العرب في صفات المدح الترقى من الأدنى إلى الأعلى؟
قلنا: قال الجوهرى وغيره أنهما بمعنى واحد كنديم وندمان فعلى هذا لا يرد السؤال، وعلى القول الأول أنما قدمه لأن الله تعالى أسم خاص بالبارى لا يسمى به غيره، لا مفردًا ولا مضافا فقدمه، والرحيم يوصف به غيره مفردًا ومضافًا فأخره، والرحمن يوصف به غيره مضافًا ولا يوصف به مفردًا إلى الله تعالى فوسطه.
* * *
فإن قيل: كيف قدم العبادة على الإستعانة والإستعانة مقدمة لأن العبد يستعين الله على العبادة فيعينه الله عليها؟
قلنا: الواو لا تدل على الترتيب، أو المراد بهذه العبادة التوحيد، وهوم قدم على الإستعانة على أدآء سائر العبادات، فإن من لم يكن موحدًا لا يطلب الإعانة على ادآء العبادات.
* * *
فإن قيل (المرادبالصراط المستقيم الإسلام أو القرآن أو طريق الجنة والمؤمنون مهتدون إلى ذلك، فما معنى قولهم: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ") وأنه تحصيل الحاصل؟
قلنا: ثبتنا عليه وأدمنا على سلوكه، خوفًا من سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما تقول العرب للواقف قف حتى آتيك معناه دم على وقوفك وأثبت عليه أو معناه طلب زيادة الهدى كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى) وقال
1 / 2
(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) .
* * *
فإن قيل: ما فائدة دخول لا في قوله: (وَلَا الضَّالِّينَ) . وقوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) . والضالين كاف في المقصود؟
قلنا: فائدته تأكيد النفى الذي دل عليه غير.
1 / 3
سورة البقرة
* * *
فإن قيل: كيف قال: (لَا رَيْبَ فِيهِ) على سبيل الاستغراق وكم ضال قد ارتاب فيه، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) ؟
قلنا: معناه لا ريب فيه عند الله ورسوله والمؤمنين، أو هو نفى معناه نهى أي لا ترتابوا فيه إنه من عند الله، ونظيره قوله تعالى:
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) .
* * *
فإن قيل: كيف قال: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) . والمتقون مهتدون فكأنه تحصيل الحاصل؟
قلنا: إنما صاروا متقين بما استفادوا منه من الهدى، أو أراد أنه ثبات لهم على الهدى، وزيادة فيه، أو خصهم بالذكر لأنهم هم الفائزون بمنافعه حيث قبلوه وأتبعوه كقوله: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) .
أو أراد الفريقين وأختصر على أحدهما كقوله تعالى: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) .
* * *
فإن قيل: المخادعة أنما تتصور في حق من تخفى عليه الأمور ليتم الخداع في حقه يقال خدعه إذا أراد به المكروه من حيث
1 / 4
لا يعلم، والله تعالى لا يخفى عليه شيء فكيف قال:
(يخادعون الله) .
قلنا: معناه يخادعون رسول الله كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) .
وقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) .
أو سمى نفاقهم خداعًا لشبهه بفعل المخادع.
* * *
فإن قيل: كيف حصر الفساد في المنافقين بقوله: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ومعلوم أن غيرهم مفسد؟
قلنا: المراد بالفساد الفساد بالنفاق وهم كانوا مخصوصين به.
* * *
فإن قيل: كيف قال الله: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) والاستهزاء من باب العبث والسخرية وهو قبيح والله تعالى منزه عن القبيح؟
قلنا: سمى جزاء الاستهزاء استهزاء كقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) .
فالمعنى الله يجازيهم جزاء استهزائهم.
* * *
فإن قيل: ما الفائدة في قوله:
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ)
ومعلوم أن الصيب لا يكون إلا من السماء؟
قلنا: فائدته أنه ذكر السماء معرفة وأضافه إليها ليدل على أنه من
1 / 5
جميع آفاقها لا من أفق واحد، إذ كل أفق يسمى سماء قال الشاعر: ومن بعد أرض بيننا وسماء.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
والمشركون لم يكونوا عالمين أنه لا ندَّ له ولا شريك بل كانوا يعتقدون أن له أندادًا وشركاء؟
قلنا: معناه وأنتم تعلمون أن الأنداد لا تقدرعلى شىء مما سبق ذكره في الآية (أو) وأنتم تعلمون أنه ليس في التوراة والانجيل جواز اتخاذ الأنداد.
* * *
فإن قيل: كيف عرف النار ونكرها في سورة التحريم؟
قلنا: تلك الآية نزلت بمكة قبل هذه الآية، فلم تكن النار التى وقودها الناس والحجارة معروفة فنكرها، ثم نزلت هذه الآية بالمدينة المنورة مشار بها إلى ما عرفوه أولا.
* * *
فإن قيل: قوله: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) .
ليسا فعلين متغايرين لينهوا عن الجمع بينهما بل أحدهما داخل في الآخر؟
قلنا: هما فعلان متغايران لأن المراد بلبسهم الحق بالباطل كتابتهم فى
1 / 6
التوراة ما ليس منها، وبكتمانهم الحق قولهم: لا نجد في التوراة صفة محمد ﷺ.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) .
ما فائدة الثانى والأول يدل عليه وبقتضيه؟
قلنا: قوله: (مُلَاقُو رَبِّهِمْ) أي ملاقوا ثواب ربهم وما وعدهم على الصبر والصلاة، وقوله: (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) .
أى موقنون بالبعث، فصار المعنى أنهم موقنون بالبعث، وبحصول الثواب الموعود، ولاتكرار فيه.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم) .
وهم إنما بدلوا القول الذي قيل لهم، لأنهم قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة؟
قلنا: معناه فبدل الذين ظلموا قولًا قيل لهم، وقالوا قولا غير الذي قيل لهم.
* * *
فإن قيل: قوله تعالي: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) .
العثو: الفساد، فيصير المعنى ولا تفسدوا في الأرض مفسدين؟
قلنا: معناه ولا تعثوا في الأرض بالكفر، وأنتم مفسدون بسائر المعاصى
1 / 7
فإن قيل: كيف قال: (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ) . وطعامهم كان المنّ والسلوى وهما طعامان؟
قلنا: المراد أنه دائم غير متبدل، وإن كان نوعين.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) .
وقتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق؟
قلنا: معناه بغير الحق في اعتقادهم، ولأن التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمهم، وأن كانت تلك الصفة لازمة للفعل كما في عكسه.
قال: (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) . لزيادة معنى في التصريح
بالصفة، ولأن قتل النبى قد يكون بحق كقتل ابراهيم ﵊ ولده لو وجد كان بحق.
* * *
فإن قيل، كيف قال: (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) .
وانتقالهم من صور البشر إلى صور القردة ليس في وسعهم؟
قلنا: هذا أمر إيجاد لا أمر إيجاب، فهو من قوله
تعالى: (كن فيكون)
فإذا قيل كيف قال: (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) . ولفظة (بين) تقتضى شيئين فصاعدا، فكيف جاز دخولها على ذلك وهو مفرد؟
قلنا: يشار به إلى المفرد والمثنى والمجموع، ومنه قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) .
1 / 8
(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) .
وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
فمعناه عوان بين الفارض والبكر وسيأتى تمامه فى
قوله: (بين أحد من رسله) . إن شاه الله.
* * *
فإن قيل: قوله: (قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ) .
كلاهما في المعني واحد فما فائدة الثانى؟
قلنا: التفجير يدل على الخررج (بوصف الكثرة والثانى يدل على نفس الخروج) وهما متغايران فلا تكرار.
* * *
فإن قيل: ما الفائدة في قوله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ) والكتابة لا تكون إلا باليد؟
قلنا: فائدته تحقيق مباشرتهم ذلك التحريف بأنفسهم، وذلك زيادة في تقبيح فعلهم، فإنه يقال: كتب فلان كذا وإن لم يباشره بنفسه بل أمر غيره به من كاتب له ونحو ذلك.
* * *
فإن قيل: التولى والاعرض واحد فكيف قال: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)؟
1 / 9
قلنا: معناه ثم توليتم عن الوفاء بالميثاق والعهد، وأنتم معرضون عن الفكر والنظر في عاقبة ذلك.
* * *
فإن قيل: قوله: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) .
ما فائدة قوله: " ومن الذين أشركوا ". وهم من جملة الناس؟
قلنا: إنما خصوا بالذكر بعد العموم لأن حرصهم على الحياة أشد.
أو لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث.
* * *
فإن قيل. قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) . يدل على أن الله تعالى أنزل علم السحر على الملكين فلم يكن حرامًا؟
قلنا: العمل به حرام، لأنهما، كانا يعلمان الناس السحر ليجتنبوه، كما قال تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .
ونظيره لو سأل إنسان ما الزنا لوجب بيانه له ليعرفه فيجتنبه.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .
1 / 10
أثبت لهم العلم أولا مؤكدا بلام القسم ثم نفاه عنهم؟
قلنا: المثبت لهم أنهم علموا أن من اختار السحر ما له في الآخرة من نصيب، والمنفي عنهم أنهم لا يعلمون حقيقة ما يصير إليه من يخسر الآخرة، ولا يكون له نصيب منها، فالمنفى غير المثبت فلا تنافى.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
وأنما يستقيم أن يقال هذا خير من ذلك إذا كان في كل واحد منهما خير، ولا خير في السحر؟
قلنا: خاطبهم على اعتقادهم أن من تعلم السحر خيرا نظرًا منهم إلى حصول مقصودهم الدنيوى به.
* * *
فإن قيل: كيف قال هنا: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) . وقال في سورة ابراهيم ﵊: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) .
قلنا: في الدعوة الأولى كان مكانًا قفرًا فطلب منه أن يجعله بلدًا وأمنًا، وفى الدعوة الثانية كان بلدا غير أمن فعرفه وطلب له الأمن، أو كان بلدًا آمنًا فطلب له ثبات الأمن ودوامه، وكون هذه السورة
مدنية وسورة إبراهيم مكية لا تنافى في هذا لأن
الواقع من إبراهيم ﵊ بلغته على الترتيب الذي قلنا
1 / 11
والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب أو لأن المكى منه ما نزل قبل الهجرة، فيكون المدنى متأخرا عنه، ومنه ما نزل بعد فتح مكة، فيكون متأخرًا عن المدنى، فلم قلتم أن سورة ابراهيم ﵊
من المكى الذي نزل قبل الهجرة.
* * *
فإن قيل: أي مدح وشرف لإبراهيم ﵊ في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) .
مع ما له من شرف الرسالة والخلة؟
قلنا: قال الزجاج المراد بقوله من الصالحين أي من الفائزين.
قإن قيل: الموت ليس في وسع الإنسان وقدرته حتى يصح أن ينهى عنه على صفة أو يؤمر به على صفة، فكيف قال: (فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)؟
قلنا: معناه أثبتوا على الإسلام حتي إذا جاءكم الموت متم على دين الإسلام، فهو في المعنى أمر بالثبات على الإسلام والدوام عليه أو نهى عن تركه
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) .
إن أريد به الله تعالى فلا مثل له وإن أريد به دين الإسلام فلا مثل له أيضًا، لأن دين الحق واحد؟
قلنا: كلمة "مثل " زائدة معناه فإن آمنوا بما آمنتم به، يعنى بمن آمنتم به وهو الله تعالى أو بما آمنتم به وهو دين الإسلام و"مثل"
1 / 12
قد تزاد في الكلام كقوله تعالى:
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) .
وقوله: (مثله في الظلمات) . ومثل بمعنى واحد، وقيل: الباء زائدة كما في قوله تعالى: (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) .
أى مثل إيمانكم باالله أو بدين الإسلام.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)
وهو لم يزل عالمًا بذلك
قلنا: معناه لنعلمه واقعًا موجودًا، أو أراد بالعلم التمييز للعباد
كقوله تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) .
* * *
فإن قيل: كيف قال: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) . وهذا يدل علي أنه ﷺ لم يكن راضيًا بالتوجيه إلى بيت المقدس، مع أن التوجيه إليه كان بأمر الله تعالى وحكمه؟
قلنا: المراد بهذا الرضا رضا المحبة بالطبع لا رضا التسليم والإنقياد لأمر الله.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) .
ولهم قبلتان لليهود قبلة وللنصارى قبلة؟
1 / 13
قلنا: كلا القبلتين باطلة مخالفة لقبلة الحق، فكانتا بحكم الاتحاد بالبطلان قبلة واحدة.
* * *
فإن قيل: كيف يكون للظالمين من اليهود أو غيرهم حجة على المؤمنين حتي قال: (للِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ؟
قلنا: معناه إلا أن يقولوا ظلمًا وباطلًا، كقول الرجل لصاحبه ما لك عندى حق إلا أن تظلم، وإلا أن يقول الباطل.
وقيل: معناه والذين ظلموا منهم، فلا هنا بمعنى واو العطف كما في قوله تعالى: (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) .
وقيل لا فيهما بمعنى لكن.
وحجتهم أنهم كانوا يقولون لما توجه النبى ﷺ إلى بيت المقدس ما درى محمد أين قبلته حتى هديناه، وكانوا يقولون أيضًا يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا، فلما حوله الله تعالى إلى
الكعبة انقطعت هذه الحجة، فعادوا يقولون لم تركت قبلة بيت المقدس إن كانت باطلة فقد صليت إليها زمانًا، وإن كانت حقًا فقد انتقلت عنها فهذا هو المراد بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) .
وقيل: المراد به قولهم ما ترك محمد قبلتنا إلا ميلًا إلى
دين قومه وحبًا لوطنه، وقيل: المراد به قول المشركين قد عاد محمد إلى قبلتنا لعلمه أن ديننا حق فسوف يعود إلى ديننا، وإنما
1 / 14
سمى باطلهم حجة لمشابهة الحجة في الصورة كما قال: (حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ) . وقال: (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) .
* * *
فإن قيل: ما الفائدة في قوله: (ولا تكفرون) بعد قوله: (وَاشْكُرُوا لِي) والشكر نقيض الكفران، فمتى وجد الشكر انتفى الكفران؟
قلنا: قوله واشكروا لي معناه استعينوا بنعمتى على طاعتى، وقوله
ولا تكفرون معناه ولا تستعينوا بنعمتى على معصيتى، وقيل: الأول أمر بالشكر والثانى أمر بالثبات عليه.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) .
وأهل دينه لا يلعنونه إذا مات على دينهم؟
قلنا: المراد بالناس المؤمنون فقط، أو على عمومه وأهل دينه يلعنونه في الآخرة.
قال تعالى: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) .
وقال: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) .
* * *
فإن قيل: ما الفائدة في قوله تعالى: (إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
ولو قال: (والهكم واحد) . فكان أحصر وأوجز؟
1 / 15
قلنا: لو قال: "وإلهكم واحد" لكان ظاهره إخبار عن كونه واحدًا في الألهية، يعنى لا إله غيره، ولم يكن اخبارًا عن توحده في ذاته، بخلاف ما إذا كرر ذكر الألهة، والآية إنما سيقت لإثبات أحديته في ذاته ونفى ما يقوله النصارى إنه واحد والأقانيم ثلاثة
أى الأصول أن زيدًا واحدًا وأعضاؤه متعددة فلما قال: "إله واحد".
دل على أحدية الذت والصفة، ولقائل أن يقول قوله واحد يحتمل الأحدية في الذات، ويحتمل الأحدية في الصفة سواء كرر ذكر لا إله أو لم يكرر فلا يتم الجواب.
* * *
فإن قيل: كيف وجه صحة التشبيه في قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) . وظاهره تشبيه الكفار بالراعى؟
قلنا: فيه إضمار تقديره ومثلك يا محمد مع الكفار كمثل الراعى مع الأنعام، أو تقديره ومثل الذين كفروا كمثل بهائم الراعى أو مثل واعظ الذين كفروا كمثل الراعى أو ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام كمثل الراعى.
* * *
فإن قيل: كيف يخص المنعوق به بأنه لا يسمع إلا دعاء ونداء مع أن كل عاقل كذلك أيضًا لا يسمع إلا دعاء ونداء؟
قلنا: المراد بقوله: "لا يسمع " لا يفهم أساء سمعًا فأساء اجابة أي أساء فهمًا.
1 / 16
فإن قيل: كيف قال: (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
وقال في موضيع آخر: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)؟
قلنا: المنفى كلام التلطف والاكرام والمثبت سؤال التوبيخ والاهانة فلا تنافى.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) .
أى فرض، والقصاص ليس بفرض بل الولى مخير فيه بل مندوب إلى تركه؟
قلنا: المراد به فرض على القاتل التمكين، لا أنه فرض على الولى الاستيفاء.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) .
عطف الأقربين على الوالدين، وهما أقرب الأقربين والعطف يقتضى المغايرة؟
قلنا: والوالدين ليسا من الأقربين. لأن القريب من يدلى إلى غيره بواسطة كالأخ والعم ونحوهما والوالدان ليسا كذلك، ولو كانا منهم لكان خصا بالذكر كقوله تعالى: (وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) .
1 / 17
فإن قيل: كيف قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) . وصوم هذه الأمة ليس كصوم أمة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام؟
قلنا: التشيه في أصل الصوم لا في كيفيته، أو في كيفية الإفطار، فإنه كان في أول الأمر الإفطار مباح من غروب الشمس إلى وقت النوم فقط، كما كان في صوم من قبلنا ثم نسخ بقوله تعالى:
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) .
أو في العدد أيضًا على ما روى عن ابن عباس أنه فرض على النصارى صوم رمضان بعينه، فقدموا عشرة وأخروا عشرة لئلا يقع في الصيف، وجبروا التقديم والتأخير بزيادة عشرين فصار صومهم خمسين يومًا بين الصيف والشتاء.
* * *
فإن قيل: ما فائدة قوله: (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى) . بعد قوله: (هُدًى لِلنَّاسِ)؟
قلنا: ذكر أولًا أنه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى الله به عبيده، وفرق به بين الحق والباطل من الكتب السماوية الهادية الفارقة بين الحق والباطل فلا تكرار.
1 / 18
فإن قيل: ما فائدة إعادة ذكر المريض والمسافر؟
قلنا: فائدته أن الآية المتقدمة نسخ مما فيها تخيير الصحيح، وكان فيها تخيير المريض والمسافر أيضًا، فأعيد ذكرهما لئلا يتوهم أن تخييرهما نسخ كما نسخ تخيير الصحيح.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
يدل على أنه يجيب دعاء الداعين، ونحن نرى كثيرًا من الداعين لا يستجاب لهم؟
قلنا: روى عن النبى ﷺ أنه قال: ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله بها إحدى
ثلاث خصال، إما أن يعجل دعوتة، وإما أن يدخرها له في الأخرة.
واما أن يدفع عنه من السوء، مثلها، ولأن قبول الدعاء شرطه الطاعة لله، وأكل الحلال، وحضور القلب وقت الدعاء، فمتى اجتمعت هذه
الشروط حصلت الاجابة، ولأن الداعى قد يعتقد مصلحته في الإجابة، والله يعلم أن مصلحته في تأخير ما سأل أو منعه عنه، فيجيبه إلى مقصوده الأصلى وهو طلب المصلحة، فيكون قد أجيب
وهو يعتقد أنه منع.
* * *
فإن قيل: ما فائدة قوله تعالي: (تِلْكَ عَشَرَةٌ) . ومعلوم أن ثلاثة وسبعة عشرة، ثم ما فائدة قوله: (كَامِلَةٌ) والعشرة لا تكون إلا كاملة، وكذا جميع أسماء العدد لا تصدق على أقل من المذكور ولاعلى أكثر منه؟
1 / 19