63

ثم أراجع في ذهني مصادر الأخبار والآراء والحوادث التي تتصل بهذه الأقسام ... وهي الكتب التي اطلعت عليها في المبحث المطلوب من جميع نواحيه، وقد أضيف إليها كتبا أخرى لم أطلع عليها، ولكنها مشتركة في مدار البحث أو معدودة من موسوعاته عند النظر في الاستقصاء، والمقابلة بين الوجهات والآراء ... •••

أذكر كيف ألفت - على سبيل المثال - كتابي في البحث عن العقيدة الإلهية، وهو الكتاب الذي أطلقت عليه اسم «الله»، ولاحظ بعض النقاد بعد صدوره أن الأحرى به من ناحية البحث العلمي أن يسمى «الإله»؛ لأن اسم «الله» عنوان لعقيدة خاصة في «الإلهية» لا يدين بها جميع المؤمنين بالربوبية، وكان موضع الخطأ في هذا النقد أن مدار البحث هو «الله» الذي انتهى إليه الإيمان ب «الإله» وهما بحثان مختلفان؛ لأن الوصول إلى فكرة «الإله» قد تم قبل ظهور العقيدة في «الله» بدهر طويل ...

ولا بد من تحقيق اسم الكتاب قبل الشروع في حصر أقسامه، فلو كان موضوع الكتاب «الإله» كما اقترح أولئك النقاد لاكتفينا في تقسيمه بدرجات التقدم مع العقيدة إلى أن ظهرت في التاريخ فكرة الربوبية على إطلاقها؛ لأن «الرب» يطلق على كل «إله» بغير تعريف، خلافا لاسم «الله»، فإنه هو «الإله» كما انتهت إليه غاية البحث في عقيدة الوحدانية. •••

أما والعقيدة المطلوبة هي العقيدة في «الله»، فالأقسام التي تناولها البحث هنا غير الأقسام التي يستوفيها البحث بمجرد الوصول إلى الاعتقاد بأي إله، وأي رب معبود ...

وقد كان من أهم هذه الأقسام: قسم عن نشأة العقيدة الدينية من مبدئها، وقسم عن الاعتقاد بالأرباب على إطلاقها، وقسم عن العقيدة الإلهية في أمم التاريخ الكبرى، وقسم عن العقيدة الإلهية في الديانات الكتابية، وقسم عن الإله في مذاهب الفلسفة قبل الديانات المشهورة، وقسم عن مذاهب الفلسفة بعدها وعن مذاهب الفلسفة بعد شيوع العلوم العصرية التي أطلق عليها اسم العلوم التجريبية، ثم ختام لهذه الأقسام لجمع أطرافها والتعقيب عليها. •••

وكان ابتداء التأليف في هذا الكتاب صيفا بمدينة الإسكندرية، فنقلت إليها مكتبة صغيرة مما قرأته قبل ذلك، وطلبت من مكتبة المعارف - وهي ناشرة الكتاب - أن تستحضر أكثر من مائة مرجع من المؤلفات الأوروبية، فلم يتيسر في ذلك الحين استيرادها ولم نجد في فرع الإسكندرية غير نصفها وبعض الكتب المطلوبة باللغة الإنجليزية منقولة إلى اللغة الفرنسية، وبدأنا المراجعة تصفحا واستعراضا لا نتوسع فيه إلا بمقدار ما يكفي للاستذكار، والتعليق، والعلم بما يلزم في كل قسم من الأقسام، وكادت أن تنقضي إجازة الصيف في هذا الاستذكار والتعليق.

فالعمل الأول على حسب هذا المنهج هو الإحاطة بأقسام الكتاب، وتخصيص غلاف مستقل لكل قسم منها، ويليه جميع المصادر اللازمة للرجوع إليها عند كتابة كل قسم من هذه الأقسام.

ويأتي بعد ذلك عمل التصفح والمراجعة، والغرض منه حصر المسائل المتفرقة، وتوزيعها على أقسامها. •••

فإذا مرت بي مسألة من تلك المسائل في المرجع الذي أتصفحه أثبت رقم الصفحة التي وردت فيها، وعرفتها بعنوانها المختصر، وألحقت بها إشارة تتضمن تعقيبي عليها بالموافقة أو الشك أو تعليق الرأي إلى موعده، ولم تزد هذه الإشارات على علامة كعلامة «صح» في الكراسات المدرسية، أو علامة كعلامة الاستفهام أو التعجب أو التضمين، أفهم المقصود بها ساعة النظر إليها، وتغنيني عن كتابة التعليق بالكلمات.

وتكتب كل إشارة من هذه الإشارات على قصاصة صغيرة، ثم توضع في الغلاف الخاص بها حسب أقسام الكتاب، وإلى نهاية التصفح والمراجعة في المصادر المجموعة بين يدي، فلا يبتدئ التأليف قبل الفراغ من حصر هذه المسائل المتفرقة في موضعها، وتيسير الرجوع إليها ساعة الحاجة ...

نامعلوم صفحہ