213

ووقفت صامتا لا أدري كيف أفكر في تلك المفاجأة، وماذا أعرف في هذه الشئون حتى أبدي رأيي؟

فقالت منى مستمرة: ليس المهم أن تقول لنا رأيك في الصفقة ذاتها، فهذا أمر يتولاه المحامي والخبير، وهما أعلم بهذه الأمور منا، الأمر كله يتعلق بك أنت، هل تستطيع أن تشرف على شئون المحلج إذا اتفقنا على التسوية التي يعرضها الباشا؟ لست أجنبيا عنه ولا عن الذين فيه وثقتنا فيك مطلقة ، ونظرت إلي باسمة.

فقلت بغير تفكير: دعي لي وقتا لأفكر.

فقالت: لا حاجة إلى العجلة في الجواب، أمامنا وقت طويل قبل أن يفرغ الجميع من إجراءات الاتفاق، وستكون معنا غدا بغير شك؛ لأننا ذاهبون جميعا إلى العزبة؛ منيرة وعبد الحميد وماما، وستعود ماما من هناك سائرة على قدميها. أليس كذلك؟

ونظرت إلى أمها التي كانت عند ذلك عابسة مطرقة تضع رأسها على يدها.

وخرجت لأنصرف صامتا، ولا أدري إن كنت قد تبينت عند ذلك ماذا قالت منى؛ لأني كنت في جدال عنيف مع نفسي.

وقالت منى ونحن سائران وهي تمسك بذراعي: هذه هي اللحظة الموعودة يا سيد، اللحظة التي تقف فيها إلى جانبي.

ونظرت إلى عينيها، وهي ترفع وجهها إلي، وكانتا مثل البحر الصافي العميق في يوم من أيام الربيع الهادئة، ودخلنا إلى غرفة الضيوف لأستعيد طربوشي وكتابي، فقالت منى: لم تقل بعد إنك ستأتي معنا.

وكان وجهها في عيني كما كنت أراه دائما مثل زهرة الفول في الصباح إذا جللها الندى، وعودها الرشيق مثل تمثال رائع، ولو أطعت نفسي لركعت عند قدميها قائلا لها: «معبودتي!»

وأخذت يديها فوضعتمها بين كفي، ورفعتهما إلى صدري في لهفة، وقلت في نفس مبهور: طبعا يا منى، وهل أرفض السعادة؟ هل أستطيع أن أقول لك: «لا»؟ ولكني أجد فيما تعرضين علي شيئا من المرارة، وإن كنت لا أدري كيف أرفض.

نامعلوم صفحہ