فوقف ممسكا بذراعي وقال: النذل، الكلب مصطفى عجوة، أحلف لك أني لطمت على وجهي كالنساء عندما ذهبت إلى محلج السيد أحمد جلال بعد أن هدمنا السرادق الذي كنت فيه؛ لأن هذا المصطفى أعطاني خمسة جنيهات، أقف بالعصا في وجهك وأقول لك: «يلا من هنا» بخمسة جنيهات؟ أنا الوغد! أنا النذل! كنت لا أنتظر أقل من مائة جنيه، وحلفت بشرفي أن أنتقم منه لأجل خاطرك، وذهبت إلى زينب لأشكو لها ولكنها طردتني، ماذا أعمل؟ الصبر طيب يا سيد بك، وصبرت عدة أشهر وأنا ألطم وجهي وألوم نفسي وألعنها. بخمسة جنيهات أقف في وجهك بالنبوت وأقول لك: «يلا من هنا»؟!
وفي يوم من الأيام جاءت زينب إلي وقالت: إنها غاضبة على السيد أحمد جلال. نعم ذهب إلى مصر وعضو مجلس نواب وهناك الدنيا الواسعة والحسن والجمال والعظمة، والست هدى المشهورة، وأصبحت زينب لا تستحق أن ينظر إليها.
واتفقنا على الانتقام، أنا أنتقم لك وهي تنتقم لنفسها، وأخذت منها ورقة الزواج، وأعطتني نصف جنيه، وقلت لنفسي: سآخذ منه مائة جنيه، وذهبت بنفسي للسيد أحمد جلال وهددته بالفضيحة. نعم كانت الورقة في يدي قسيمة زواج صحيحة. زواجه من زينب.
وقلت له: إن الورقة معي، ولكنه طردني كالكلب، وذهبت إلى القهوة ودمي فائر وكان مصطفى هناك، فوضعت الورقة أمام عينه ليقرأها، وأراد اللعين أن يخطفها مني يحسبني سكران، ولكن قلت له: «بعينك» وفي ليلتها أحضرنا المأذون يا عم وخطفتها منه، نعم خطفت زينب منه بعد أن رفستني برجلها من أجله وهي الآن في يدي أنا، زوجتي! نهايته مات في ليلة واحدة ولا طبيب ولا زيطة ولا هيصة، ولكن مصطفى عجوة لم يمت؛ لأنه كالبغل كل يوم يزيد بالقنطار.
ثم سكت عن هذيانه، واستند إلى الحائط.
فصحت في سري أنطق: أيها النذل.
وأردت أن أشجعه على الحديث فقلت: مبروك يا حمادة! وهي ما تزال معك؟ زينب؟
فقال: من ليلتها، في نفس ليلتها، وهي التي دفعت الجنيه للمأذون وكل يوم ريال يا سيد بك، وزينب تقول لي: في داهية! والله لأفضحه، والولد! ابنه طبعا!» انتهى يا سيد بك ومهنى أفندي يقول: انتهى وصرنا من الأعيان! طلبت منه مائة جنيه فطردني، أما اليوم ولا عشرين ألف جنيه ولا خمسين ألف ولا مائة ألف! وأخذ يصفق بيديه ويغني صائحا: ولا خمسين ألف يا عيني! ولا مائة ألف يا ليل! ودار رأسي من اضطراب هذيانه ومن رائحة أنفاسه، وذهبت عنه مسرعا حتى وصلت إلى منزلي وأنا لا أكاد أقدر على التفكير في شيء، وغسلت وجهي واستنشقت بماء كثير لأذهب رائحة الخمر الرخيصة من خياشيمي واستلقيت لأستريح، ولكني لم أستطع النوم؛ لأن شريطا طويلا من مناظر مختلفة كان يسرع أمام بصري.
الفصل السابع عشر
كان أول ما خطر لي في الصباح أن أسافر إلى القاهرة وأبعد عن دمنهور وفي دخيلة وعيي أسئلة محيرة كثيرة، ولكني بقيت مترددا حتى صارت الساعة العاشرة، وتبدل عزمي إلى ضرورة البقاء حتى أرى خاتمة القصة المحزنة التي يمثلها حمادة الأصفر وشريكته زينب، ونزلت من البيت على نية الذهاب إلى صديقي عبد الحميد عياد، وعرجت في طريقي على قبر والدي لأقرأ عنده الفاتحة، ثم مضيت في سبيلي حتى بلغت مفترق الطريق بين شارع «أبو الريش» والحارة التي تتجه إلى بيت عبد الحميد، ومن العجيب أنني اتجهت بغير تردد إلى بيت المرحوم أحمد جلال كأنني كنت أقصد الذهاب إليه منذ البداية.
نامعلوم صفحہ