الفصل الثاني
العمل والاجتهاد
قال مركوس أوريليوس: كثيرا ما يفرط الإنسان في إهمال العمل كما قد يفرط في العمل. كلما صادرك عمل سل نفسك: هل أندم إذا فعلته؟ احصد حصاد الحياة كما تحصد سنابل الحنطة البالغة. لكل موجود غاية، فما هي غاية وجودك؟ إن قلت هي اللذة، فالعقل يخالفك في ذلك. إذا لم يكن الشيء حلالا فلا تفعله، وإذا لم يكن حقا فلا تقله. لا يزعجني إلا أمر واحد فقط؛ وهو إذا عملت شيئا لا يبيحه الطبع البشري، أو لا يبيح كيفيته، أو لا يبيح الزمن الحاضر. يجب أن تقدر قيمة المرء بالمطالب التي يسعى إليها. لا تعمل شيئا بلا تبصر وغرض مقصود، ولتكن كل أعمالك عائدة لخير العموم. اعتن بالأمر الذي أمامك سواء كان رأيا أو قولا أو فعلا. كل ما تدعوك إليه عزة النفس بادر إليه في الحال بلا تردد ولا ارتياب. مرن نفسك ولو على الأشياء التي تيأس من عملها، وخذ مثالا على ذلك اليد اليسرى؛ فإنها أقدر على ضبط العنان من اليمنى بسبب التمرين.
وقال أفلاطون: لا تستوف شرائط الأعمال وما يوجبه لها العدل في الأزمان المضطربة، فيضع سعيك، وتنسب إلى التخلف فيما تعانيه، ولكن ناسب بعملك طبيعة الزمان، ما لم يقدح ذلك في مروءتك ودينك وأخلاقك، فإذا بلغ هذه الثلاثة فخل عما في يدك منها، وإلا خسرت من نفسك أكثر مما تربحه في ذات يدك. لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ، وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه.
وقال سليمان الحكيم: أرأيت رجلا مجتهدا في عمله أمام الملوك يقف؟
وقال شكسبير الشاعر الإنكليزي: المشقة في السعي إلى العمل، لا في العمل نفسه. كل من يمدح نفسه إلا في العمل، فهو يفني العمل في المدح. لو كانت السنة كلها أيام عطلة ولهو لكان اللهو مملا كالعمل. الأفكار أحلام لا تصح إلا إذا ظهرت في العمل.
وقال نابليون بونابرت:
1
لا يتقن الإنسان عمله إلا بنفسه. ما كل امرئ أهلا ليكون رب بيت.
وقال بلينيوس الأكبر: لا يجوز التأخر في أعمال الزراعة، بل يجب أن يعمل كل شيء في ميعاده، وإذا ذهبت الفرصة لم تعد. كان إبلس المصور إذا صور صورة عرضها حيث يراها المارون، وجلس وراءها متخفيا يسمع ما ينتقدون به عليها، فمر إسكاف ورأى صورة من صوره معروضة فقال: إن سير الحذاء أوطأ مما يلزم. فسمع إبلس انتقاده وأصلح السير، ثم مر الإسكاف في اليوم التالي، ورأى السير قد أصلح فأخذته الجراءة وأخذ ينتقد الساق، فخرج إليه إبلس قائلا: إن انتقاد الإسكاف يجب ألا يتعدى الحذاء. فذهب قوله مثلا.
نامعلوم صفحہ