وَقَالَ تَعَالَى فصلت وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تغلبون وَقَالَ تَعَالَى المدثر فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة وَمثل هَذَا كثير فِي الْقُرْآن وَهَذَا كَانَ سَماع سلف الْأمة وأكابر مشايخها وأئمتها كالصحابة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْمَشَايِخ كإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عِيَاض وَأبي سُلَيْمَان الدراراني ومعروف الْكَرْخِي ويوسف بن أَسْبَاط وَحُذَيْفَة المرعشي وامثال هَؤُلَاءِ وَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يَا أَبَا مُوسَى ذكرنَا رَبنَا فَيقْرَأ وهم يسمعُونَ ويبكون وَكَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد إِذا اجْتَمعُوا أمروا وَاحِدًا مِنْهُم أَن يقْرَأ الْقُرْآن وَالْبَاقِي يَسْتَمِعُون وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي ﷺ مر بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ يقْرَأ فَجعل يستمع لقرَاءَته وَقَالَ لقد أُوتِيَ مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد وَقَالَ مَرَرْت بك البارحة وَأَنت تقْرَأ فَجعلت أستمع لقراءتك فَقَالَ لَو علمت أَنَّك تسمع لحبرته لَك تحبيرا أَي لحسنته لَك تحسينا وَقَالَ زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ وَقَالَ الله أَشد أذنا إِلَى الرجل الْحسن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ من صَاحب الْقَيْنَة إِلَى قَيْنَته أذنا أَي استماعا كَقَوْلِه الانشقاق وأذنت لِرَبِّهَا وحقت أَي استمعت وَقَالَ ﷺ مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ حسن الصَّوْت يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يجْهر بِهِ وَقَالَ لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَلِهَذَا السماع من المواجيد الْعَظِيمَة والأذواق الْكَرِيمَة ومزيد المعارف وَالْأَحْوَال الجسيمة مَالا يَسعهُ خطاب وَلَا يحويه كتاب كَمَا أَن فِي تدبر الْقُرْآن وتفهمه من مزِيد الْعلم وَالْإِيمَان مَالا يُحِيط بِهِ بَيَان وَمِمَّا يَنْبَغِي التفطن لَهُ أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فِي كِتَابه آل عمرَان قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله قَالَ طَائِفَة من السّلف أدعى قوم على عهد النَّبِي ﷺ أَنهم يحبونَ الله فَأنْزل الله هَذِه الاية قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله الْآيَة فَبين سُبْحَانَهُ أَن محبته توجب اتِّبَاع الرَّسُول وَأَن ابْتَاعَ الرَّسُول يُوجب محبَّة الله للْعَبد وَهَذِه محبَّة امتحن الله بهَا أهل دَعْوَى محبَّة الله فَإِن هَذَا الْبَاب يكثر فِيهِ الدَّعَاوَى والاشتباه وَلِهَذَا يرْوى عَن ذِي النُّون الْمصْرِيّ أَنهم تكلمُوا فِي مَسْأَلَة الْمحبَّة عِنْده فَقَالَ اسْكُتُوا عَن هَذِه الْمحبَّة لَا تسمعها النُّفُوس فتدعيها وَقَالَ بَعضهم من عبد الله بالحب وَحده فَهُوَ زنديق وَمن عبد الله بالخوف وَحده فَهُوَ حروري وَمن عَبده بالرجاء وَحده فَهُوَ مرجيء وَمن عَبده بالحب وَالْخَوْف والرجاء فَهُوَ مُؤمن موحد وَذَلِكَ لِأَن الْحبّ الْمُجَرّد تتبسط النُّفُوس فِيهِ حَتَّى تتسع فِي أهوائها إِذا لم يزعها وازع الخشية لله حَتَّى قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى
1 / 75