فَكَذَلِك إِذا بلَى بحب من لَا يَنْفَعهُ بعشق وَنَحْوه سَوَاء كَانَ لصورة أَو لرياسة أَو لمَال وَنَحْو ذَلِك فَإِن لم يحصل على محبوبه ومطلوبه فَهُوَ متألم ومريض سقيم وَإِن حصل محبوبة فَهُوَ اشد مَرضا وألما وسقما كَمَا أَن الْمَرِيض إِذا كَانَ يبغض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الطَّعَام وَالشرَاب كَانَ ذَلِك الْأَلَم حَاصِلا وَكَانَ دَوَامه على ذَلِك يُوجب من الْأَلَم اكثر من ذَلِك حَتَّى يقْتله أَو يَزُول مَا يُوجب بغضه لما يَنْفَعهُ وَيحْتَاج إِلَيْهِ فَهُوَ متألم فِي الْحَال وتألمه فِيمَا بعد إِن لم يعافه الله اعظم وأكبر فبغض الْحَاسِد لنعمة الله على الْمَحْسُود كبغض الْمَرِيض لأكل الأصحاء لأطعمتهم وأشربتهم حَتَّى لَا يقدر أَن يراهم يَأْكُلُون ونفرته عَن أَن يقوم بِحقِّهِ كنفرة الْمَرِيض عَمَّا يصلح لَهُ من طَعَام وشراب فالحب والبغض الْخَارِج عَن الِاعْتِدَال وَالصِّحَّة فِي النَّفس كالشهوة والنفرة الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال وَالصِّحَّة فِي الْجِسْم وعمى الْقلب وبكمه عَن أَن يبصر الْحَقَائِق ويميز بَين مَا يَنْفَعهُ ويسره كعمى الْجِسْم وخرسه عَن أَن يبصر الْأُمُور المرئية وَيتَكَلَّم بهَا ويميز بَين مَا يَنْفَعهُ ويضره وكما أَن الضَّرِير إِذا أبْصر وجد من الرَّاحَة والعافية وَالسُّرُور أمرا عَظِيما فَبَصر الْقلب ورؤيته الْحَقَائِق بَينه وَبَين بصر الراس من التَّفَاوُت مَالا يُحْصِيه إِلَّا الله وَإِنَّمَا الْغَرَض هُنَا تَشْبِيه أحد المرضين بِالْآخرِ فطب الْأَدْيَان يحتذي حَذْو طب الْأَبدَان وَقد كتب سلمَان إِلَى أبي الدَّرْدَاء أما بعد فقد بَلغنِي أَنَّك قعدت طَبِيبا فإياك أَن تقتل وَالله أنزل كِتَابه شِفَاء لما فِي الصُّدُور وَقَالَ تَعَالَى الْإِسْرَاء وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خسارا ذَلِك أَن الشِّفَاء إِنَّمَا يحصل لمن يتَعَمَّد الدَّوَاء وهم الْمُؤْمِنُونَ وضعُوا دَوَاء الْقُرْآن على دَاء قُلُوبهم فَمَرض الْجِسْم يكون بِخُرُوج الشَّهْوَة والنفرة الطبيعية عَن الِاعْتِدَال إِمَّا بِشَهْوَة مَالا يحصل أَو يفقد الشَّهْوَة النافعة وينفر بِهِ عَمَّا يصلح ويفقد النفرة عَمَّا يضر وَيكون بِضعْف قُوَّة الْإِدْرَاك وَالْحَرَكَة كَذَلِك مرض الْقلب يكون بالحب والبغض الخارجين عَن الِاعْتِدَال وَهِي الْأَهْوَاء الَّتِي قَالَ الله فِيهَا الْقَصَص وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله وَقَالَ الرّوم بل اتبع الَّذين ظلمُوا أهواءهم بِغَيْر علم كَمَا يكون الْجَسَد خَارِجا عَن الِاعْتِدَال إِذا فعل مَا يشتهيه الْجِسْم بِلَا قَول الطَّبِيب وَيكون لضعف إِدْرَاك الْقلب وقوته حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَن يعلم وَيُرِيد مَا يَنْفَعهُ وَيصْلح لَهُ
1 / 30